د. عبدالله الطوالبة يكتب: التعليم عن بعد
الأنباط -التعليم عن بعد! د. عبدالله الطوالبة لم يأتِ التعليم عن بعد في سياق تطور طبيعي شمل العملية التعليمية، بل كان خيار الضرورة الطارئ، ضمن إجراءات الوقاية من خطر انتشار فيروس كورونا. وبغير ذلك، كان من الممكن أن تتحول مؤسسات التعليم إلى بؤر لتفشي الفيروس ونشره في المجتمع، مما سيقود بالتالي إلى إغلاق الجامعات والمدارس. وهذا ما لا يريده احد ولا يتمناه. من طبائع الأمور، أن يستغرق الطارئ وقتا ليس بقليل على صعيدي التقويم والتقييم، من خلال التطبيق العملي، للحكم عليه بالرأي العلمي والدراسات. لكن هذا لا يعني التغاضي عن أسئلة كثيرة أثارها التعليم عن بعد، معظمها ما يزال معلقا يبحث عن إجابات، ناهيك بما اعترى العملية من عيوب وسلبيات، منها ما يتعلق بطبيعة هذا النوع من التعليم. نقول ذلك، وفي الذهن أعداد المتأثرين بهذه التجربة سلبا او ايجابا، وتقارب حوالي مليوني طالبة وطالب على مقاعد الدراسة في المدارس والجامعات. على صعيد الأسئلة والتساؤلات ذات العلاقة، لعل في مقدمها ما يتعلق بمدى جاهزية المؤسسات التعليمية لهذا النوع من التعليم. فهل البنية التحتية متوفرة، وبخاصة التقنية اللازمة؟! وهل تم تدريب المدرسين والطلبة على آليات التعليم عن بعد؟! فهناك أساتذة جامعات يجدون صعوبة في التعامل مع تكنولوجيا المعلومات الحديثة. ومنهم من يتعامل مع الموضوع لضمان استمرار الراتب. الشيء ذاته، لا بد ينسحب على معلمي المدارس بنسبة معينة. اما الطلبة، فإلى إلى حد هم جاهزون للتلقي عن بعد، في ضوء استمرار واحدة من مشكلات التعليم في بلداننا، وتتمثل بالتلقين والحشو؟! وما الذي يضمن تركيز الطلبة خلال المحاضرات ويؤكد أن تفاعلهم ليس وهميا؟! فقد يكون الطالب حاضرا، كما تؤكد شاشة الكمبيوتر الصماء، لكنه فعليا منشغل بأمور أخرى في بيته غير متابعة المحاضرة! وماذا عن الطلبة في المناطق الأقل حظا، حيث لا تتوفر خدمة الانترنت في كل منزل؟! وكيف يتم تفادي مشكلة انقطاع خدمة الانترنت فجأة؟! نكتفي بهذا القدر من الأسئلة المشروعة، وننتقل إلى العيوب والسلبيات، مبتدئين باكثرها ضررا، لتعلقها بطبيعة التعليم عن بعد. وفي بيان ذلك، من الضرورة بمكان التذكير بأن التعليم عملية تواصلية، تتطلب التفاعل الوجاهي والتماس البصري والصوتي بين عنصريها الرئيسين، لتحقيق أهدافها في التكوين والتأهيل العلميين. مقصود القول، يصعب حتى الآن تصور التعليم خارج تفاعل المعلم في المدرسة والأستاذ الجامعي مباشرة مع طلبتهما. هذا التفاعل باختصار، هو أهم شروط نجاح العملية التعليمية. صحيح ان التكنولوجيا الحديثة توفر إمكانية التواصل بين المعلم والمتعلم، لكنه تواصل جامد بارد، بلا روح. هنا، يبدو التعليم أقرب ما يكون إلى عملية ارسال المعلومات من مُرسلٍ هو الأساس، إلى مُستقبلٍ لا دور سوى التلقي التلقيني. أما التفاعل، شرط نجاح التعليم بمعايير الحاضر، فلا وجود له في آلية ميكانيكية كهذه، وإن أتاح الوقت المجال له، ففي حدود ضيقة لا تُحدث أثرا. أما اسوأ ما يمكن أن يستصحبه التعليم عن بعد من أضرار بالعملية التعليمية، فيتعلق بنزاهة الامتحانات وإمكانية ضبطها. فقد حصل أن إجابات بعض الطلبة في الامتحانات، تفوق قدراتهم، ولا تنسجم مع مستوى التزامهم بحضور المحاضرات. هذا يعني ان هناك من أجاب بدلا من الطالب. وفي السياق، نشير إلى التحقيق الصحفي الذي أعدته الصحفية المبدعة، الدكتورة حنان الكسواني وزميلتها روان صعبي، بعنوان "تجارة الامتحانات تضرب التعليم عن بعد". التحقيق نشرته صحيفة (الغد)، قبل حوالي ثلاثة أسابيع، ويمكن الرجوع اليه بسهولة من خلال مؤشر البحث (جوجل). وقد تضمن تفاصيل أقل ما يقال عنها أنها مخجلة تحت عناوين محقة، كل منها يتكفل بالإفصاح عن مضمونه، من نوع "فوضى التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد"، و"انتعاش التجارة بالعلم"، و" الغش الإلكتروني". ومن المعيب مساهمة أكاديميين، حسب التحقيق، في ذينك الغش والتجارة!!! تأسيسا على ما تقدم، لا أظننا نجانب الصواب اذا قلنا ان من الصعب التفكير باعتماد التعليم عن بعد بديلا للتعليم المباشر. وفي افضل الحالات على المدى المنظور، يمكن استخدامه كمعزز للعملية التعليمية وليس فاعلا رئيسا فيها. كما أن غاية ما تحقق بواسطة هذا النوع من التعليم، هو ابقاء الطلبة على تواصل مع المؤسسات التعليمية ومع المناهج المقررة، في ظرف طارئ. ومع ذلك، فإن واقع الحال يستدعي وضع آليات علمية لتقييم مخرجات التعليم عن بعد. فقد فجأنا "المارشال" كورونا بفرضه علينا وعلى العالم كله. ومن غير المستبعد، ان يقرر المارشال ذاته تمديد العمل به!