الدكتور عمر هزايمة يكتب:دور القوات المسلحة الأردنية في التصدي لجائحة فيروس كورونا المستجد.
الأنباط -دور القوات المسلحة الأردنية في التصدي لجائحة فيروس كورونا المستجد.
بقلم: الدكتور عمر هزايمة/كلية الحصن الجامعية/ جامعة البلقاء التطبيقية.
مثلت الأوبئة عبر التاريخ تهديداً كبيراً لمئات ملايين البشر، إذ تسببت الأمراض الوبائية كالإنفلونزا الإسبانية والكوليرا والطاعون في وفاة الملايين من الناس في مدة زمنية قصيرة نسبياً، وفشلت الأنظمة الصحية التي كانت سائدة آنذاك في إيقاف زيادة أعداد المصابين والمتوفين، ولاتزال هذه الأمراض تشكل تحدياً كبيراً للأمن القومي للدول، فعلى الرغم من تطور قطاع الرعاية الصحية فإن بعض الأمراض الوبائية المستحدثة لم يتم اكتشاف لقاح أو علاج لها، ولعل هذا ما دفع بالعديد من الأشخاص والمؤسسات على اختلاف خلفياتهم السياسية، أو الأمنية، أو العلمية، إلى التنبؤ بتهديد قادم أشد فتكاً من نظرائه السابقين. ومع ذلك، لم تتمكن القطاعات الصحية المدنية في أي دولة من الدول من تطوير إجراءات أو تدابير مضادة لمواجهة الأمراض الوبائية التي تندرج ضمن التهديدات "المعروفة المجهولة المصدر"، أو الحد من آثارها، الأمر الذي دفع بالعديد من الدول إلى الإستعانة بالقوات المسلحة وأجهزتها المختلفة بكل إمكانياتها الصحية واللوجستية لمواجهة التهديد المفاجئ، والذي لا تزال الدول تسعى لمعرفة أبعاده وآثاره وطرق علاجه.
لقد أظهرت أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد في العالم التي انتشرت في العالم منذ نهاية العام 2019، وما ترتب عليها من تبعات وقرارات ، خاصة على المستوى الاقتصادي أهمية القوات المسلحة ومؤسساتها في معاونة قطاعات الدولة المختلفة في الحفاظ على تماسك الدولة وتنمية مواردها وديمومتها، بالتزامن مع ضمان الاستمرار في تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين، دون التأثير على حرية السوق ذلك لأن الجيوش هي مؤسسات منظمة ومؤهلة لتحمل المسؤوليات الكبيرة فهي جزء من المجتمع بحكم تكوينها البشري وجزء من كيان الدولة كونها أداة مهمة من أدوات تحقيقها لوظائفها العامة، وأنها خاضعة للقيادة السياسية فيها.
وفي المملكة الأردنية الهاشمية كان للقوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية الأخرى دور أساسي وكبير جدا في مواجهة تفشي جائحة فيروس كوفيد-19 خصوصا بعد إصدار الحكومة قانون الدفاع ومنع التجول، فقد قامت القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية وما تزال تقوم بدور رائد في التصدي لجائحة فيروس كورونا تنفيذاً لتوجيهات جلالة القائد الأعلى الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم وتطبيقا لتعليمات القيادة العامة للقوات المسلحة والحكومة الأردنية، ولقد كان لكلمات جلالة القائد الأعلى دور عظيم في شحذ الهمم ورفع المعنويات إذ خاطب جلالته شعبه الأردني الوفي قائلاً " ودعوني أقول لكم، أنتم كبار لأنكم تحققون الإنجازات العظيمة في أصعب الظروف، ولا تعرفون المستحيل، كبار لأنكم تقدمون أروع صور التضحية والإيثار، وكبار لأنكم في وطن كرامة الإنسان فيه فوق كل الاعتبارات. نعم، هذا هو الأردني الذي أعرفه وأباهي به العالم". وأثنى جلالته على القوات المسلحة الأردنية مبديا إعتزازه بها قائلا:" لقد علمتني مدرسة الجندية أهمية أن تكون خططنا استباقية، ولهذا ومنذ اللحظة الأولى لإطلاق الإنذار العالمي ضد وباء فيروس كورونا، وجهتُ الحكومة وقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، للتعامل مع هذا الخطر بأعلى درجات الجاهزية، ولتشكيل خلية أزمة قبل تفشي الوباء أو فقدان السيطرة عليه، لا سمح الله. شدة وبتزول"
وقد أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي أنها ستتواجد على مداخل ومخارج المدن في جميع أرجاء الوطن فانتشر أفراد القوات المسلحة في العديد من الشوارع في المحافظات من أجل تقديم الدعم والإسناد لبقية أجهزة الدولة ومنها الأمن العام والدفاع المدني والدرك وكوادر وزارة الصحة ممثلة في فرق التقصي الوبائي عبر مرافقتها من أجل تسهيل مهامها في الوصول إلى الأماكن والبؤر المصابة بالفيروس من أجل غلقها لفحص المصابين والمخالطين وأخذ العينات حفاظا على سكانها وبقية المواطنيين وساهمت القوات المسلحة الأردنية في تطبيق امر الدفاع رقم /2 لعام 2020، والقاضي بحظر التجول في العديد من الأماكن مع المحافظة على القدر الذي يضمن تطبيقه بدون تعطيل الحياة اليومية الضرورية وتنظيم دخول المواطنين إلى الأماكن العامة من الوزارات والمؤسسات الحكومية والبنوك وشركات الكهرباء وغيرها من الأماكن العامة. كما ناشدت القيادة العامة للقوات المسلحة في العديد من البيانات التي أصدرتها المواطنين بضرورة اتباع جميع التعليمات الصادرة من الوحدات المنتشرة على مداخل ومخارج المدن والمحافظات، وكان لغرفة عمليات إدارة أزمة فيروس كورونا المستجد في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات جهد هائل في تلقي الاتصالات من المواطنين والتعامل معها جميعها وإنهاءها بنجاح بالتنسيق مع مختلف الأجهزة المعنية لتذليل جميع الصعوبات التي تواجه المواطنين وبما ينسجم مع التوجيهات الملكية السامية والخطط الحكومية للحد من آثار انتشار جائحة فيروس كورونا. وقامت مديرية التموين والنقل الملكي بتوجيهات من القيادة العامة للقوات المسلحة الاردنية - الجيش العربي - بتزويد جميع مستشفيات وزارة الصحة باحتياجاتها من مادة الخبز والمستلزمات الأخرى وكذلك تزويد المواطنيين بحاجاتهم المعيشية في مختلف المحافظات وتنظيم وصولها بسهولة ويسر. وعملت فرق التطهير التابعة لمديرية سلاح الهندسة الملكي على إنجاز المهام الموكلة لها على أكمل وجه وحسب الطلب، حيث قامت بتطهير العديد من المواقع باستخدام أحدث الأجهزة والتقنيات ، كما قامت فرق التطهير بتعقيم غرفة العزل في طوارئ الخدمات الطبية الملكية. وكان لغرفة عمليات إدارة أزمة فيروس كورونا في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات الدور الرئيس في عملية تنظيم عودة المواطنين والطلبة الأردنيين الذين تقطعت بهم السبل في العديد من دول العالم. كما ساهمت الخدمات الطبية الملكية في مكافحة جائحة كورونا من خلال دخول الأطقم الطبية العسكرية إلى مراكز انتشار الوباء، وقيام إدارات الحرب الكيميائية والبيولوجية بتطهير المطار والمؤسسات والمنشآت الحكومية التي يتردد عليها المواطنون، وعملت القوات المسلحة الأردنية -الجيش العربي- على مراقبة تنفيذ إجراءات حظر التجوال وإغلاق القرى والمدن، ومنع السفر من محافظة لأخرى والتمركز عند مداخل المدن ومخارجها، واستخدام الاحتياطات الاستراتيجية للقوات المسلحة من مستلزمات الوقاية والعلاج وأجهزة التنفس الصناعي وتوزيعها على المستشفيات العامة، وتوجيه مركز الملك عبدالله للتطوير والتصنيع (كادبي) على إنتاج الكمامات والقفازات والملابس ومواد التطهير للأفراد وبناء المستشفيات الميدانية لإجراء الفحوصات والعزل للمصابين وكرافانات الحجر الصحي عند المعابر وفي منطقة البحر الميت. كما ساهمت القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية الأخرى في مواكبة وحراسة الحافلات التي قامت بنقل المواطنين الخاضعين للحجر الصحي من مطار الملكة علياء الدولي إلى أماكن الحجر الصحي في الفنادق المخصصة لذلك في العاصمة عمان ومنطقة البحر الميت. وعملت أيضا على تأمين الحماية لهذه الأماكن ووضع نقاط الغلق لمنع الوصول لغير المعنيين إلى هذه الأماكن وكذلك منع المواطنيين من التنقل بين المحافظات والألوية في أثناء تنفيذ الحظر الشامل إلى جانب ضبط المركبات المخالفة لأوامر الحظر وحجزها في أماكن محددة وإصدار تصاريح التنقل للمركبات.
ومن الناحية الإعلامية فقد كان للقوات المسلحة الأردنية السبق في ذلك من خلال الناطق الإعلامي للقوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي- في إصدار البيانات اليومية والإيجازات الصحفية والتعليمات.
وساهمت طائرات سلاح الجو ممثلة في طائرات النقل العسكري والإخلاء والإسعاف الطبي والمروحيات في نقل المساعدات والمعدات الطبية والمواطنيين من داخل المملكة وخارجها حيث شارك سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله المعظم في عمليات نقل المساعدات للمواطنيين بواسطة مروحيات سلاح الجو الملكي وكذلك كان لمديرية النقل العسكري دور بارز في نقل المواطنيين الخاضعين للحجر الصحي من مطار الملكة علياء الدولي إلى الفنادق المخصصة للحجر الصحي في العاصمة عمان ومنطقة البحر الميت بواسطه حافلات النقل العسكري وذلك بتوجيهات مباشرة من جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة وبمتابعة من القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية ممثلة في عطوفة رئيس هيئة الأركان اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي. كما قامت القوات المسلحة الأردنية بإعادة العديد من مواطني الدول العربية والصديقة بطائراتها من المناطق الموبوئة بفيروس الكورونا وبذلك يكون دورها قد وصل إلى دول صديقة وعربية ليؤكد رؤى جلالة القائد الأعلى في بيان الدور الإنساني للقوات المسلحة الأردنية.
أما قوات حرس الحدود فكان لها دور كبير في ضبط الحدود والمعابر من خلال مراقبة البضائع الداخلة للأردن وفحصها وضمان سلامتها وخلوها من فيروس كورونا وعملت قوات حرس الحدود أيضا على فرض الحجر الصحي على السائقين فور وصولهم للحدود الأردنية وإجراء الفحص الطبي لهم وفي حال اصابتهم العمل على حجرهم إضافة إلى دورها الأساسي المتمثل بحماية حدود الوطن ومنع عمليات التسلل والتهريب.
لقد كان للتوجيهات الملكية السامية وللإجراءات الحكومية وللتنظيم المحكم القائم على الانضباط والإنجاز والالتزام بالتعليمات والتوجيهات، والقدرة على التخطيط والحسابات الدقيقة لكل كبيرة وصغيرة عند التنفيذ، وامتلاك الموارد البشرية المدربة والمؤهلة وتوافر إدارات هندسية وطبية واقتصادية وكافة أنواع المعدات والأجهزة عند القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي- دور كبير في نجاح القوات المسلحة الأردنية وأجهزة الدولة كافة في مواجهة جائحة فيروس كورونا، إلى جانب المكانة العالية والإحترام والتقدير الكبيرين التي تتمتع بهما القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية الأخرى عند المواطنيين مما ساهم في تسهيل القيام بمهماتها التي أوكلت لها. ودلالة على الرعاية السامية التي يوليها جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية الأخرى فقد أنعم جلالة الملك على القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، بوسام الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للتميز من الدرجة الأولى، تقديراً لجهودها المتواصلة في حماية الوطن، وقيادة خلية الأزمة الرئيسية للتعامل مع جائحة كورونا، ودور كوادر الخدمات الطبية الملكية الكبير في مكافحة الفيروس، وتسلمه رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن يوسف أحمد الحنيطي. وفي الختام نؤكد إعتزازنا وفخرنا بقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ الأردن ملكا وشعبا وأن تبقى قواتنا المسلحة الأردنية درعا منيعا للوطن وأن يزول هذا البلاء عن بلدنا وعن الإنسانية جمعاء.