مروان العمد يكتب:الرسالة اللقيطة واليتيمة
انتشر خلال الايام الماضية نص رسالة منسوبة الى العديد من كبار المسؤولين السابقين من اعلى المستويات و التى تولت اعلى درجات السلم الوظيفي المدني والعسكري ، بالاضافة الى بعض الاسماء المعروفة الاتجهات والمقاصد وبعض الاسماء التي لم نسمع عنها سابقاً ، بالاضافة الى بعض الاسماء مجهولة الاعراب ولكنها من التي تسعى لأن تصبح فعلاً حتى لو كان فعلاً ماضياً او مبنياً على المجهول . ويدعي ناشروا الرسالة واللذين كانوا اجبن من ان يعلنوا عن انفسهم ان الرسالة تم التوقيع عليها من قبل مائة واربعة من هذه الشخصيات . وانها قد اٌرسلت لجلالة الملك المعظم يقدمون له من خلالها النصح والارشاد من اجل الخروج من حالة انسداد الافق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وغياب الحوار وسيادة الارتباك الذي تعيش به الدولة ، واتباعها سياسة الاستعصاء والاستقصاء والحل الامني الخشن ، وكأننا نعيش في ظل دولة يحكمها النظام العسكري القائم على قمع الحريات والاعتقالات خارج القانون .
وعلى اثر نشر هذه الرسالة اختلفت وتضاربت الاخبار وردود الفعل عليها . وانا سوف استعرض بعضاً منها من خلال ما قاله بعض من وردت اسماؤهم بأنهم قد وقعوا عليها دون ذكر اسم احد منهم . لكن اقوالهم هذه منتشرة على مختلف مواقع التواصل الإجتماعي .
ومن البداية انكر ابرز الشخصيات واهمها والذين وردت اسماؤهم في بداية القائمة انهم وضعوا عليها تواقيعهم او حتى اطلاعهم عليها او علمهم بها ،. وهم يمثلون نسبة كبيرة من هذه الاسماء . بل ان البعض منهم طالبوا بالبحث عن المسؤولين عن نشر هذا النص ونشر اسماؤهم باعتبارهم موقعين عليه لمعاقبتهم .
احد اهم هذا الشخصيات قال ( تابعت بحزن شديد اللغط الذي دار خلال الايام الماضية حول رسالة عرضها لفيف من الشخصيات المتنوعة الاهداف والنوايا لترفع إلى جلالة الملك وعُرض علي للتوقيع عليها ، وبالرغم من اني اتفق مع معظم ما ورد فيها الا انه كانت هناك بعض النقاط او الافكار التي اختلفت بها معهم ولذا لم اوقع عليها لأنه كان هناك عدم وضوح بالهدف الذي يرغب الموقعين في تمريره الى صاحب الجلالة ، فحصل ما حصل من انسحاب ودعوات للانسحاب . ولقد أضر هذا الوضع بمصداقية الرسالة او الهدف من ورائها وبالعديد من الموقعين عليها ) .
والبعض اقر بأنه وقع على رسالة وطنية خاصة من المفروض انها موجهة لجلالة الملك تضمنت تقديم بعض النصائح لجلالته حول بعض القضايا ، وانه تم التوافق على ان تكون هذه الرسالة خاصة لجلالته ، وعدم الإشارة اليها بوسائل الاعلام او نشر نصها . الا ان بعض وسائل الاعلام الخارجية قامت بنشر نصوص مجتزءة منها وغير حقيقية وتم توظيفها بطريقة سياسية مستفزة ، مما جعلهم يتنكرون لها .
في حين ان البعض اتهم وسائل اعلام محلية بأنها هي التي قامت بنشر جزء من الرسالة وتعديلها وتوظيفها بحيث تظهر وكأن الموقعين عليها يعادون الدولة .
والبعض اكد ان الرسالة التي تم التوقيع عليها مختلفة عن الرسالة المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي واستهجن هذا البعض تسريب مثل هذا النص الغير صحيح وبعد اسبوعين من التوقيع على النص الاصلي ، وبعد الافراج عن اعضاء نقابة المعلمين اللذين كانوا موقوفين وانتهاء الغاية منها .
في حين قال البعض ان النص الذي تم نشره هو مسودة اولى جرى افتراحها ورفضت من قبلهم وتم تعديلها ، الا انهم فوجؤا بأن ما تم نشره هي المسودة المرفوضة .
والبعض قال ان تم التوافق عل نص رسالة ترفع للمقام السامي ولكن ما تم نشره يختلف عن نص الرسالة التي تم التوقيع عليها وطالب هذا البعض بمعرفة من نشر هذا النص المحرف لمعرفة هدفه من ذلك .
وقد اقر الكثيرون انهم وقعوا على النص بعد ان تم تمريره اليهم عن طريق الواتس اب . اي انهم لم يجتمعوا معاً وحتى عن طريق الاتصال عن بعد لمناقشة بنود الرسالة والاتفاق عليها . ولم يجري توقيع مشترك من الجميع على النص المعتمد .
فيما ذهبت قلة قليلة هي اقل من اصابع اليد الواحدة ليؤكدوا انهم وقعوا على الرسالة المنشورة وبالنص الذي نشرت به . واصدر احدهم تأكيداً على صحة توقيعه وصحة النص على صفحته على الفيسبوك . الا ان أحداً لم يجزم بأن تلك الرسالة قد رفعت لمقام جلالتة الملك .
وكل هذا يشير الى تناقضات كثيرة حول تلك الرسالة وان بعض من وردت اسماؤهم بأنهم قد وقعوا عليها لم يشاهدوها اصلاً ولم يطلعوا عليها اطلاقاً ولاعلم لهم بها . أو ان بعضهم اطلع عليها ورفض توقيعها . وان بعضهم تم اطلاعهم على نص آخر غير الذي نشر بهدف الحصول على تواقيعهم ثم تم ادخال تعديل عليه دون علمهم وموافقتهم . وان بعضهم اطلع على النص الذي نشر ووقع عليه ثم حاول التنصل من توقيعه بعد نشره والضجة التي اثيرت حوله بالقول ان النص الذي وقع عليه يختلف عن النص الذي نشر . فيما ذهبت فئة قليلة جدا للقول بصحة النص المنشور وان هذا النص هو الذي قام التوقيع عليه .
وكانت المفاجئة الكبرى هو البيان الصادر عن احد الأحزاب الاردنية المعروفة وعلى شكل تصريح صحفي قال فيه ( تداولت مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الاجتماعية وبعض المواقع الالكترونية مذكرة وقع عليها بعض اعضاء الحزب بمن فيهم امينة العام ، وان الهدف منها انها مشروع رسالة تمثل الحزب الى جلالة الملك نقترح فيها فتح حوار وطني في ضوء حالة الاحتقان السائدة والاعتقالات لقيادات نقابة المعلمين وكانت تلك الفكرة تنسجم مع الاحداث في حينها ، ولكننا فوجئنا بألامس وبعد اسابيع من الاعداد لها دون نشرها من قبلنا لانه لم يعد حاجة اليها بعد اطلاق سراح اعضاء نقابة المعلمين الموقوفين ، بأنه قد تم نشرها ولكن بطريقة تخالف النص والقصد منها . واضاف الحزب واننا لا نعرف اذا كانت هذه الرسالة قد ارسلت لجلالة الملك من بعض الاطراف ام لم ترسل . واذا ارسلت بأي نص ارسلت وما كان الجواب عليها . ولكنه ظهر الآن وبكل الاحوال انها كانت خارج الزمن والسياق والتطورات الراهنة وبعد زوال مبرراتها ، وان هذا النص المنشور ليس هو الذي من الممكن ان نوقع عليه لمخاطبة الرأي العام .
اذن ما الذي حصل وما هو تفسيره ؟ قد يكون معرفة ذلك امراً عسيراً في ظل هذا التناقض ، وفي ظل نفي الاكثرية العظمى لفكرة الرسالة وتنكر من اقر بوجودها بصحة النص ونفي الجميع بأنه تم اسال هذه الرسالة لجلالة الملك بأي نص من النصوص مما يجعلها فعلاً لقيطة ولا شرعية لها ولام لها ولا اب .
لكن هنا يطرح سؤال حول من له مصلحة بنشر هذا النص وفي هذا الوقت بالذات ؟
وبالقاء نظرة على النص والذي وصلني من احد الموقعين عليه عن طريق الواتس اب والذي يدعي انه النص الاصلي الذي لم يتم ادخال اي تعديل عليه ، فأنه ليس من الصعب معرفة من له مصلحة في نشره وذلك من خلال الاطلاع على اهم ما تضمنه هذا النص ومحور الحديث الذي يدور فيه . والذي اختصر مشاكل الوطن السياسية والاقتصادية والمعاشية بأزمة نقابة المعلمين ومن حيث القول ان غياب الحوار السياسي والمجتمعي خلق فجوات بين الدولة والمجتمع من خلال حراك المعلمين والذي عزز حالة الارباك التي نعيشها اليوم مما يستدعي اطلاق حوار وطني يهدف الوصول الى توافق حول اولويات المرحلة المقبلة ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية بمزيد من الانفتاح السياسي . وان جذور الازمة الحالية التي نعاني منها سياسية ذات اوجه اقتصادية واجتماعية وطبقية ابرز مظاهرها نقابة المعلمين وحراكها المطلبي . وان اللجوء للحل الامني جعل المشهد الوطني خشناً على غير المألوف . واننا امام هذا الواقع فنحن مطالبون بالحفاظ على صورة الاردن في المحافل الدولية وامام المؤسسات المانحة على صورة الاردن باعتباره دولة تحترم ارقى معايير الالتزام بالحقوق والحريات العامة ومنها حرية التعبير والعمل النقابي .
ومن هذا يظهر ان الرسالة من الفها الى يائها هي ليست الا ادانة لتصرف الدولة والحكومة مع نقابة المعلمين ودون الاشارة الى اي تصرف يمكن ان يكون قد صدر عن هذه النقابة يمكن ان يشكل استقواءاً من قبلها على الدولة والوطن . اي ان الرسالة تمثل وجهة نظر نقابة المعلمين وتتبناها وتعتبرها هي الضحية .
واعتبار هذه الازمة هي الازمة الحقيقية التي تعرض لها الوطن ، والتي تتطلب من الغيورين على الاردن ان يطرحوها على مسامع جلالة الملك . والى انها اهم ما يعانيه الاردن من ازمات اقتصادية واجتماعية حتى انها اهم من قضايا الفساد وجائحة كورونا وما مر على الاردن من نجاحات او اخفاقات في مواجة هذا الوباء . واهم من الحديث عما يجب ان تقوم به الحكومة من إجراءات للتصدي لهذا الخطر ولما عاناه الاقتصاد الاردني والمواطن الاردني نتيجة انتشار هذا الوباء ، ولا ما هو دور المواطن الاردني في التصدي له . فقد تضاءلت كل هذه الازمات الى حد التلاشي في مواجة ازمة نقابة المعلمين .
ولا ادل على ذلك من قول الكثير ممن وقعوا على هذه الرسالة انها كُتبت لتسلم لجلالة الملك قبل اسبوعين من الافراج عن اعضاء نقابة المعلمين الموقوفين . وانهم يستغربون لماذا تم تسريب هذا النص الآن وبعد الافراج عنهم وانتهاء كل ازمات الوطن .
هل بقي ثمة شك بمعرفة من كان يقف وراء هذه الرسالة وملابساتها والنص الذي تم تسريبه لها الآن وقبل يومين من بدء العام الدراسي الجديد على انها رسالة للحكومة بما يمثلون من قوة وقاعدة شعبية حتى من قبل اشد انصار النظام ؟ . وان النشر قد تم قبل يوم واحد من قيام القضاء بالافراج عن جميع المعلمين وانصارهم الذين كان قد تم توقيفهم على خلفية احداث النقابة وما تبعها من احتجاجات ، ليظهروا لانصارهم ان الافراج عنهم وعن بقية الموقوفين ليس لاستحقاق قانوني من قبل الدولة او محاولة منها لتهدئة الامور ، وانما لضغوطات مورست على جلالة الملك من قبلهم ومن قبل اقرب المقربين لجلالته انتصارا لهم في مواجة النظام ؟ . اليس هذا هدفهم وان غاب عن بالهم لفرط سذاجتهم غياب التجانس بين الاشخاص المفروض انهم قد وقعوا على الرسالة بحيث تمت اضافة اسماء اليها لامكان لها بينهم وليست من درجتهم واهميتهم ؟ ولأن من وضع قائمة الاسماء هذه لا يعرف ان ميسرة ملص ذكر وليس انثي ؟ .