المسؤولية الاجتماعية واجب اخلاقي اولا وقبل كل شئ

الأنباط -تلعب المسؤولية الاجتماعية دوراً هاماً في قطاع الاعمال، الذي يشكل جزءً هاماً من منظومة اقتصاد السوق ومتطلباته الاجتماعية، وتساهم المسؤولية الاجتماعية في اعادة توزيع الثروات لصالح تحقيق العدالة الاجتماعية، وهذا لا يعفي الحكومات من دورها ومسؤولياتها الاجتماعية في سياق التكامل في الادوار ما بين القطاعين العام والخاص. وبما ان قطاع الاعمال يسعى جاهداً الى تحقيق الارباح، إلا انه لا يجوز بأية حال من الاحوال ان يكون ذلك على حساب احترام حقوق الانسان وحماية حقوق العاملين والمحافظة على البيئة وتعزيز النزاهة والمساءلة ومكافحة الفساد وفقاً للمعايير والمبادئ والمتطلبات الدولية ومنها المبادئ العشرة الصادرة عن منظمة الامم المتحدة والتي اكدت على ذلك ويمكنا التحقق من مدى استجابة قطاع الاعمال لمفاعيل المسؤولية الاجتماعية، ارتباطاً بالتزام قطاع الاعمال، بالمبادئ الدولية العشرة للأمم المتحدة (UN Global Compact) والمتعلق باستدامة الشركات حيث يشتمل على عناصر اساسية وهي حماية حقوق الانسان، و معايير العمل، وحماية البيئة، ومكافحة الفساد وتتضمن الاتي:
(1)حقوق الإنسان، ويشتمل على مبدئين وهما:
المبدأ 1 يتعين على المؤسسات التجارية دعم وحماية حقوق الإنسان المعلنة دوليا واحترامها؛
المبدأ 2 والتأكد من أنها ليست ضالعة في انتهاكات حقوق الإنسان.
(2) معايير العمل، ويشتمل على اربعة مبادئ وهي:
المبدأ 3 يتعين على المؤسسات التجارية احترام حرية تكوين الجمعيات والاعتراف الفعلي بالحق في التفاوض الجماعي
المبدأ 4 والقضاء على جميع أشكال السخرة والعمل الجبري؛
المبدأ 5 والإلغاء الفعلي لعمل الأطفال؛
المبدأ 6 والقضاء على التمييز في مجال التوظيف والمهن.
(3) البيئة، ويشتمل على ثلاثة مبادئ وهم:
المبدأ 7 يتعين على المؤسسات التجارية التشجيع على اتباع نهج احترازي إزاء جميع التحديات البيئية.
المبدأ 8 والاضطلاع بمبادرات لتوسيع نطاق المسؤولية في مجال البيئة؛
المبدأ 9 والتشجيع على تطوير التكنولوجيا غير الضارة بالبيئة ونشرها
(4) مكافحة الفساد، ويشتمل على مبدأ واحد وهو:
المبدأ 10 يتعين على المؤسسات التجارية مكافحة الفساد بكل أشكاله، بما فيها الابتزاز والرشاوى.
وتعني المسؤولية الاجتماعية الاهتمام بجوانب التنمية المجتمعية وبالجوانب الاخلاقية. وبذلك تفهم على اساس التزام قطاع الاعمال المكون من الشركات بانواعها والمستشفيات والمدارس .. الخ تجاه العاملين والعملاء والمستهلكين واصحاب المصالح والمجتمع ككل، وهذا بلا ادنى شك يتعدى مفهوم المسؤولية الاجتماعية العمل الخيري والتطوعي بيد ان الفائدة المتحققة ستعود على الطرفين المانح والمتلقي. 
وتجدر الاشارة الى ان العديد من الدول والمؤسسات الدولية ومنها الاتحاد الاوروبي والبنك الدولي ومجلس الاعمال العالمي للتنمية المستدامة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توافق على ان المسؤولية الاجتماعيةهي عمل مؤسسي مستمر من قبل قطاع الاعمال لتحسين الظروف المعيشية للعاملين والمجتمعات المحلية والمجتمع ككل والتي تكفل المعايير الدولية لحقوق الانسان ومكافحة الفساد وتعزيز منظومة الضرائب العادلة والبيئة وحماية المستهلك والافصاح وتطبيق الحاكمية المؤسسية، واولاً وقبل كل شئ هي تصرف اخلاقي من قبل قطاع الاعمال. ومن الواضح ان هناك تباين في موقف الدول والمؤسسات الدولية المعنية تجاه مفهوم وبواعث المسؤولية الاجتماعية من حيث كونها التزام او عمل خيري تطوعي غير ملزم لقطاع الاعمال
ولعلنا في الاردن علينا الاخذ باتجاه الزامية المسؤولية الاجتماعية ليس في اطار تشريعي فحسب بل ووفقاً لما اكدت عليه الديانات والكتب السماوية الداعية الى التكافل والتعاون والتضامن بين فئات المجتمع ككل ,لا سيما في ظل الظروف الاستثنائيه التي يشهدها العالم حاليا والاردن ليس بمنأى عنها  امام تحديات وتداعيات ازمة الكورونا التي فرضت واقع عالمي جديد .
وعلى أية حال يجب التعامل مع تفعيل مفهوم المسؤولية الاجتماعية واليات عملها بشكل اكثر ايجابية بعيداً عن المفهوم التقليدي التي اعتادت عليه المجتمعات بالنظر الى الاستجداء والاحسان على الفقراء ولربما هنا نذكر بعض اليات تعزيز عمل المسؤولية الاجتماعية ومنها خلق كيانات قانونية خاصة بالمسؤولية الاجتماعية، واكثر من ذلك ضرورة الذهاب نحو تخصيص موازنات محددة لها في اطار عمل مؤسسي من خلال  انشاء صناديق دائمة للمسؤولية الاجتماعية، لتكون بمثابة هياكل حاضنة لعمل المسؤولية الاجتماعية في مجالات حياتية مختلفة ومنها قضايا البيئة والصحة والتعليم ومحاربة الفقر والبطالة وتقديم الدعم للجامعات ومراكز الابحاث والتدريب والفعل الثقافي والتراثي ورعاية المتفوقين والمبتكرين والمبدعين والاهتمام بالمناطق النائية والاقل رعاية.
ونلفت الانتباه الى ان التعاطي مع انشاء الصناديق يمكن ان يكون اما من خلال استحداث صندوق خاص بالمسؤولية الاجتماعية داخل الشركات مع ضرورة الافصاح عن الخدمات والمبالغ المالية المقدمة للمسؤولية الاجتماعية، واما في حالة عدم انشاء صندوق للمسؤولية الاجتماعية خاص بالشركة فعلى الشركات ان تلتزم بتخصيص مبالغ مالية لصندوق وطني خاص بالمسؤولية الاجتماعية.
وغني عن الذكر ان للدولة دور هام في تحفيز والزام قطاع الاعمال بتقبل وتعزيز المسؤولية الاجتماعية من خلال قوانين حماية البيئة والحوافز الضريبية والحوافز المعنوية والتعاقدات الحكومية وقوانين حماية العاملين والمستهلكين ولا يفوتنا في هذا السياق الدور الكبير والمؤثر الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني في تعزيز وهضم مفهوم المسؤولية الاجتماعية استناداً الى الموروث الديني والثقافي والادبي والاجتماعي بالتزامن مع سن التشريعات اللازمة لتعزيز اليات عمل المسؤولية الاجتماعية. فواجب مؤسسات المجتمع المدني العمل على تعظيم مفهوم المسؤولية الاجتماعية داخل المجتمع ككل باعتبار ان الدولة تعمل في سياق المثلث التشاركي بين قطاع الاعمال والقطاع العام ومؤسسات المجتمع المدني والتي هي الاقدر على تعزيز مفهوم المسؤولية الاجتماعية واهمية عمل مؤسسات المجتمع المدني على تغيير النظرة النمطية تجاه مفهوم العمل الخيري والتطوعي انطلاقاً من المرتكزات سابقة الذكر، وبحكم ان مؤسسات المجتمع المدني تعمل في مجالات الاعمال التطوعية والخيرية، فان اهمية دورها يكون في مجال بناء القدرات والسعي الى خلق ثقافة مجتمعية من شأنها تعزيز العمل بالمسؤولية الاجتماعية. فربما تستدعي الحاجة في البدايه الى بناء تحالفات او شبكات مدنية من اجل التحشيد وكسب التاييد بهدف ترسيخ مره اخرى مفهوم المسؤولية الاجتماعية ارتباطاً بتعزيز قيم الانتماء والمواطنة الصالحة في اطاراحترام حقوق الاخرين .هذا ويتوقف تقبل قطاع الاعمال للمسؤولية الاجتماعية في سياقاته الاخلاقية والاجتماعية والانسانية والدينية على قدرة مؤسسات المجتمع المدني والحكومات في بيان المكاسب المتحققة لقطاع الاعمال عند تفعيل المسؤولية الاجتماعية.
ولعل من ابرز تلك المكتسبات الاتية:
-تحسين سمعة الشركات مما يحسن قيمتها الاجتماعية.
-استقطاب قوة عمل اكثر كفاءة.
-بناء علاقات قوية وثقة متبادلة وتحقيق تقارب مع الحكومات ومكونات المجتمع المختلفة.
-الاستفادة من الاستقرار والسلام الاجتماعي والحد من التوترات الاجتماعية وتعطي قيمة مضافة للمساهمين، واخلاص اكبر من قبل العملاء وزيادة المبيعات بما في ذلك زيادة الانتاجية وتحسين النوعية بسبب الرضا الوظيفي، اضافة الى تكوين سمعة طيبة وهي ركن هام من نجاح الشركات بل ويمكن تعويض تكاليف المسؤولية الاجتماعية من خلال السمعة التجارية الجيدة التي تتحقق في حالة اندماج وتفاعل المعايير المادية ومعايير ذات الطابع الاجتماعي.
.






                                                         المحامي الدكتور امجد شموط
                                        رئيس مركز الجسر العربي للتنمكيه لحقوق الانسان
                      رئيس اللجنه العربيه الدائمه لحقوق الانسان جامعة الدول العربيه السابق