الدكتور سليمان ابو عتمة يكتب: مكاتب تأجير السيارات السياحية والمسؤولية المدنية عن حوادث السير
الأنباط -
بقلم المحامي الدكتور سليمان ابو عتمة
تلعب مكاتب تأجير السيارات السياحية دور مهم في تنشيط السياحة في الأردن، فهي تقوم بتقديم خدمات تأجير سيارات ذات مواصفات سياحية مناسبة للجمهور، ويبلغ عدد مكاتب تأجير السيارات السياحية في الأردن ما يقارب (250) مكتب، بحجم إستثمار بقيمة (500.000.000) خمسمائة مليون دينارأردني، وتملك حوالي (12000) اثنا عشر الف سيارة، ويعاني هذا القطاع من مشاكل كثيرة أهمها تحملها للمسؤولية المدنية عن حوادث السير التي تقع نتيجة خطـأ السائق (المستأجر للسيارة السياحية) التي تلزم مكاتب تأجير السيارات السياحية بدفع مبالغ مالية للمتضرر من حادث السير كتعويض عن الاضرار التي لحقت به.
ويراد بالمسؤولية القانونية بوجه عام محاسبة الشخص عن فعله الذي سبب به ضرراً للغير، ويفترض فيه أن يكون مخالف لأحكام القانون، وبما أن المسؤولية القانونية تقوم على مخالفة قاعدة من قواعد القانون، فالسلوك المخالف لهذه القاعدة إما أن يسبب ضررا للغير فينشأ الحق في التعويض، وإما يلحق ضرراً بالمجتمع فينشأ الجزاء أي العقاب، فالاخلال بقاعدة قانونية يترتب عليه إما جزاء جنائي أو جزاء مدني أو الاثنان معاً.
المسؤولية القانونية تقسم إلى قسمين:
1) مسؤولية جزائية: فتنشأ المسؤولية الجزائية عن كل فعل يشكل جريمة بنص القانون، ولكل جريمة عقوبة تتناسب مع خطورتها، فالمسؤولية الجزائية تتقيد بقاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، والهدف من العقوبة زجر الجاني وردع غيره، فتنص المادة (445/1) من قانون العقوبات الأردني على: " 1. كل من الحق باختيار ضرراً بمال غيره المنقول، يعاقب بناء على شكوى المتضرر بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة لا تتجاوز خمسين ديناراً أو بكلتا العقوبتين".
2) مسؤولية مدنية: تهدف إلى الحد من الأضرار التي تقع على الغير نتيجة مخالفة قاعدة قانونية، فهدفها تعويض المتضرر عن إخلال بالتزام مصدره القانون أو الإرادة عن طريق جبر الضرر الذي أصابه، فكل فعل يسبب ضرراً للغير يلزم مرتكبه بالتعويض، دون البحث عن كون الفعل مجرماً قانوناً أو لا، وقد يشكل الفعل خطأ يرتب عليه القانون مسؤولية فاعله عن التعويض.
والمسؤولية المدنية تقسم إلى قسمين:
1) المسؤولية العقدية: هي الإخلال بإلتزام عقدي، فكل إخلال بالعقد من قبل المدين يرتب مسؤوليته عن الضرر الذي تسبب به للدائن.
2) المسؤولية عن الفعل الضار ( المسؤولية التقصيرية): هي تنشأ عن الإخلال بإلتزام قانوني سابق، بعدم الاضرار بالغير، ويكون الاضرار غير المشروع مصدراً للمسؤولية في حدود النصوص القانونية التي تحكمها، ولا يجوز الإتفاق على الإعفاء من المسوؤلية التقصيرية لأنها من النظام العام، فلا يستطيع السائق أن يعفي نفسه من المسؤولية التي يسببها للغير في حوادث الطرق.
وحتى يكون الشخص ضامناً للضرر الذي يسببه للغير بفعله، يجب أن يكون قد أتى عملاً يتصف بعدم المشروعية، فنصت المادة (256) من القانون المدني الأردني على: " كل إضرار بالغير يلزم فاعله، ولو غير مميز بضمان الضرر"، والضرر قد يكون مادياً كإتلاف سيارة بحادث اصطدام، والضرر المادي يتضمن عنصرين: ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون نتيجة طبيعية للفعل الضار، وقد يكون الضرر أدبياً (معنوي) وهو الضرر الذي يسبب ألماً نفسياً أو معنوياً لأن فيه مساس بشعور الإنسان وعواطفه أو شرفه أو عرضه أو كرامته أو سمعته ومركزه الإجتماعي، وقد يكون الضرر جسدياً وهو الأذى الذي ينتج عن الإعتداء على سلامة وحرمة الجسد البشري بالموت أو الجرح أو الضرب أو المرض، كعابر طريق يموت أثر حادث سير أو يجرح أو يفقد أحد إعضائه.
والمضرور سواء كان شخصاً طبيعياً أو إعتبارياً يستطيع أن يطالب بالتعويض ودياً أو قضائياً، وقد يطالب ورثة المضرور المتوفي بالتعويض من محدث الضرر أو المسؤول مدنياً عن فعل الغير أو فعل الأشياء، وقد يكون محدث الضرر شخصاً طبيعياً أو إعتبارياً، وإذا كان محدث الضرر مغطى بالتأمين مثل حوادث السيارات، فالمضرور يستطيع أن يطالب المؤمن (شركة التأمين) مباشرة بالتعويض عن الضرر الذي أصابه.
وهدف التعويض هو محو الضرر وإزالته بحيث يعاد المضرور إلى الحالة التي كان عليها قبل وقوع هذا الضرر، والتعويض قد يكون عيني أي إصلاح الضرر مثل إصلاح السيارة التي تعرضت لحادث وإعادتها إلى حالتها السابقة قبل وقوع الفعل الضار (حادث السير)، وقد يكون التعويض بمقابل ويكون نقدي وهو ما تحكم به المحاكم من إداء مبالغ مالية للمضرور كتعويض مقابل للضرر الذي أصابه مثل الحكم بقيمة إصلاح السيارة المتضررة من الحادث، أو غير نقدي مثل إلزام من اتلف مالاً قيمياً للغير كسيارة بشراء سيارة أخرى مشابهة لها بالنوع والمواصفات.
وحرص المشرع الأردني على تعويض الغير عن كل ضرر يقع عليه لذلك أعترف بمسؤولية الشخص عما تسببه الأشياء ( كالسيارات ) التي تحت حيازته من أضرار للغير، والأصل أن السيارة تحت تصرف المالك ما لم تنتقل الحراسة منه إلى الغير بموافقته كالمستأجر، أو غصباً عنه كالسارق، فلا ضمان على المالك.
ونصت المادة (5/أ) من قانون السير الأردني على: " أ. بإستثناء المقطورات وانصاف المقطورات، لا يجوز تسجيل أي مركبة أو ترخيصها أو تجديد ترخيصها إلا بعد تقديم عقد تأمين يغطي مدة الترخيص لدى شركة تأمين مجازة في المملكة لممارسة أعمال تأمين المركبات ليغطي هذا العقد المسؤولية المدنية عن الضرر الذي يلحق بالغير الناجم عن استعمال تلك المركبة وفقاً لأحكام قانون تنظيم أعمال التأمين الساري المفعول"، فيجب على مالك السيارة السياحية ( مكتب تأجير السيارات السياحية) تأمينها لغايات تسجيبلها وترخيصها وتجديد الترخيص سنوياً، ويشمل التأمين المسؤولية المدنية تجاه الغير قبل وقوع الفعل الضار، وعلى ذلك فأن المسؤول عن الضرر سيغطى بواسطة شركة التأمين، بحيث أن شركة التأمين ستدفع مبلغ التعويض إلى المضرور نيابة عن المسؤول عن الضرر، وعندما تدفع شركة التأمين مبلغ التعويض للمضرور فإن المسؤول المؤمن له يكون قد أبرءت ذمته، في حدود ما دفعته شركة التأمين تجاه المضرور.
ولكن المضرور يجب أن يحصل في كل حال على التعويض الكامل للضرر الذي أصابه، وعلى ذلك إذا كان المضرور لا يستطيع أن يرجع على شركة التأمين إلا في حدود مبلغ التأمين المنصوص عليه في العقد بين المؤمن له وشركة التأمين، فانه يستطيع أن يطالب المؤمن له المسؤول شخصياً بمبلغ إضافي حتى يغطي كامل الضرر الذي أصاب المضرور.
إلا أن نظام التأمين الألزامي للمركبات رقم (12) لسنة (2010) وخروجاً على القاعدة العامة نص على أن مالك السيارة ( شركة تأجير السيارات السياحية) مسؤول بالتضامن مع شركة التأمين والسائق ( فاعل الضرر) عن التعويض عن الأضرار التي تلحق بالغير، وبمقتضاه يكون مالك السيارة ضامناً لأضرار الغير بجميع الأحوال بصرف النظر عن توافر شرط الحراسة أو عدم توافره في المالك أي مسؤول سواء كانت السيارة بحيازته أو بحيازة المستأجر للسيارة، فنصت المادة (13/أ) من نظام التأمين الألزامي للمركبات على: " مع مراعاة أحكام الفقرة (أ) من المادة (9) من هذا النظام يعتبر كل من المؤمن له وسائق المركبة المتسببة بالحادث مسؤولين بالتضامن عن أي مبالغ يحكم بها تزيد على حدود مسؤولية شركة التأمين".
وقد جاء نظام التأمين الألزامي للمركبات رقم (12) لسنة (2010) لينظم التأمين من المسؤولية المدنية في نطاق حوادث السير، وقد قرر هذا النظام للمضرور رجوعاً مباشراً على شركة التأمين المؤمن لديها المركبة المتسببة للضرر، ليحصل على مبلغ التعويض ولكن إلتزام شركة التأمين بدفع التعويض محدد بمبلغ (20000) عشرون الف دينار للوفاة و (12000) إثنا عشر الف دينار لحالة الضررحسب أحكام نظام التأمين الألزامي للمركبات، فإذا زاد قيمة الضررعن حدود التعويض المعينة في النظام، فأن للمضرور الحق في مطالبة المسؤول عن الضرر بمبلغ تكميلي لتغطية كامل الضرر الذي أصابه، والتي تتحملها مكاتب تأجير السيارات السياحية بصفتها مالكة المركبة المتسببة بالحادث وسائق المركبة.
وعليه وحيث أن القواعد العامة في القانون المدني الأردني تعفي مالك السيارة (مكتب تأجير السيارات السياحية) من المسؤولية المدنية عندما لا تكون السيارة تحت حراسته وحيازته في حالة تأجيرها بموجب عقد تأجير سيارة سياحية وحيازتها من قبل المستأجر، الا ان نظام التأمين الألزامي للمركبات يحمل مالك السيارة ( مكتب تأجير السيارات السياحية) المسؤولية المدنية عن حوادث السير، فيجب على الحكومة التدخل لحماية مكاتب تأجير السيارات السياحية وأعفائها من المسؤولية المدنية عند أرتكاب حادث السير من قبل المستأجر بتعديل أحكام نظام التأمين الألزامي للمركبات وتحمل سائق المركبة (المستأجر) وشركة التأمين للمسؤولية المدنية عن حوادث السير وعدم مسألة مكتب تأجير السيارات السياحية عن فعل السائق ( المستأجر) استناداً لأحكام القواعد العامة في القانون المدني.