العمد يكتب: ما بعد العسر الا اليسر

الأنباط -


اللواء المتقاعد مروان العمد
 
بعد حوالي الشهرين والنصف من اعلان حالة الطوارئ وفرض حالات من حظر التجول الشامل والجزئي وتعطيل الدوائر والمؤسسات والشركات والمصانع والمدارس والجامعات والمطاعم والمقاهي و الأندية وأماكن التجمعات وكافة القطاعات ، حتى طال هذا الإغلاق مساجدنا وكنائسنا وذلك في إطار مواجهتنا لوباء كورونا ، وبعد ان نجحنا حكومة وشعباً في التصدي لهذا الوباء وحصره في حالات محدودة ، وبعد ان عادت الحياة جزئيا إلى بعض القطاعات في الأسابيع الماضية ، فقد تم الإعلان في الامس عن وصولنا إلى مرحلة الخطر المنخفض وأعلن عن فتح الكثير من القطاعات اعتباراً من يوم غد السبت بما فيها الدوائر والمؤسسات الحكومية والخاصة والمطاعم والمقاهي والنوادي والأنشطة الرياضية وإعادة النشاط للحركة السياحية وفتح حضانات الأطفال ، واهم شيئ اعادة فتح مساجدنا وكنائسنا أمام المصلين العابدين ولكل الصلوات . مع حرية التنقل بالسيارات الخاصة بشكل عادي وسيارات القطاع العام والعمومي بنصف سعتها وكل ذلك ضمن إجراءات وقائية خاصة ومتشددة . واقتصار حظر التجول على ست ساعات يومياً تمتد من الثانية عشر منتصف الليل حتى الساعة الساعة صباحا .



ولا اخفي عليكم انني في البداية كنت أميل للتشدد في اعادة فتح القطاعات وتخفيف إجراءات الحظر التي اتبعتها الحكومة بموجب قانون الطوارئ ، وذلك من منطلق خشيتي من زيادة كبيرة في انتشار الوباء ووقوع الكثير من الإصابات والوفيات ونحن مجتمع صغير وأي حالة يتعرض لها أي مواطن يعم أثرها على الكثير من المواطنين . حتى انني كتبت عدة مقالات خالفت بها بعض قرارات مجلس الوزراء بتخفيض بعض إجراءات تقيد الحركة . وعندما بدأت تظهر بعض بوادر التحسن في الحالة الوبائية كتبت مقالاً أقول فيه أنه ليس الآن اوان النزول عن الجبل وطلبت من المواطنين المزيد من التحمل والصبر حتى نحقق المزيد من التعافي لأننا نواجه وباء لا نستطيع القول انه تم القضاء عليه وعلى خطره قبل تصنيع لقاح له وقبل ان يتم السيطرة عليه في جميع أنحاء العالم.

الا انه ومع مرور الأيام ونجاح الحكومة والأجهزة الطبية المختلفة والأجهزة الأمنية وقواتنا المسلحة وجميع الذين كانوا يعملون في الميدان لملاحقة الوباء ومعالجة من اصيبت به وحصر بؤره وتطهيرها . والموظفين العامين الذين كانت الظروف تقتضي منهم التواجد على رأس عملهم ، وأجهزة المحافظات والبلديات وعمال الوطن ، والوعي الذي تميزت به الغالبية العظمى من المواطنين ، فقد ادى ذالك إلى انحسار حدة الوباء والإصابات به وانحصرت تقريبا بالقادمين من الخارج أو مخالطيهم . وكان كل ذلك يتم تحت رعاية وتوجيه جلالة الملك المعظم وسمو ولي عهده الميمون .

وبعد ان تحقق ذلك وبعد ان أصبحت حلقات قرارات الحظر والغلق تضيق حول اعناق المواطنين لانقطاعهم عن مصدر رزقهم ولفقدان الكثيرين منهم لوظائفهم وأعمالهم ، ولتعطل حركة الإنتاج والتأثيرات السيئة لهذه الإجراءات المتشددة على الاقتصاد ، وللحالة المعنوية والنفسية التي تعرض لها الكثير من المواطنين نتيجة هذا الحظر والذي لم يتعود عليه الشعب الأردني ، فأنني أصبحت أتمنى ان تقوم الحكومة بما يلزم وحسب تطور الحالة الصحية في البلاد للتخفيف من إجراءات الحظر والإغلاق .


ولقد تحقق ذلك في القرارات التي تم اتخاذها بالأمس والتي بلغت درجة اكبر مما كنت أتوقع . وكانت فاتحة خير هذه الإجراءات إقامة صلاة الجمعة في المساجد بعد انقطاع لأكثر من شهرين ونصف . وسيكتمل هذا الخير يوم الأحد القادم بأقامة الصلوات في كنائس اخوتنا المسيحيين ثم في عودة نبض الحياة في مختلف شراين الاقتصاد والحياة في البلاد . ولقد كانت تجربة صلاة الجمعة اليوم علامة مبشرة بالخير لما لمسناه من المواطنين من التزام بتعليمات التباعد وارتداء الكمامات والكفوف واستخدام سجادة الصلاة الخاصة بكل مواطن أو المخصصة للاستعمال مرة واحدة فقط .

ولكني ومع ذلك أقول اليوم ليكن نزولنا عن الجبل بسيوفنا حتى لا يأخذنا الوباء على حين غرة . وسيوفنا هنا هي وعينا والتزامنا باتباع الإرشادات والتعليمات الصادرة عن الجهات المعنية إلى ان يزداد الوضع تحسننا وتصدر ارشادات وتعليمات جديدة بهذه الخصوص . وان لا نركن إلى ان امورنا أصبحت بخير بشكل كامل وان لا نفقد حرصنا هذا والتزامنا بعد كل يوم يمضي ونحن نخرج لممارسة عملنا وحياتنا الطبيعية أو ونحن نتردد على الأماكن العامة حتى لو لم تقع أية إصابات بين المواطنين . لأن خطر هذا الوباء لا يزال موجوداً ، وهو يتربص بنا ليستغل أية تغرة ليعاود انقضاضه علينا . وهنا سوف يكون انتصاره اكبر وهزيمتنا اكثر وأشد الماً . وهذا الأمر يتطلب من قبل الجهات الحكومية والمعنية بالتصدي لهذا الوباء ان تبقى متيقظة منتبهة ، وان تعمل على اكتشاف أية ثغرة قد تحصل والسيطرة عليها وإغلاقها فوراً .

كما ان هذا يتطلب منا ان نكون عونا لهذه الحكومة في مواجهة هذا الوباء وليس أعداء لها كما حصل وللأسف من قبل الكثير من المواطنين في الأسابيع الماضية ، حيث خلطوا ما بين مواقفهم المسبقة منها قبل انتشار هذا الوباء ومعارضتهم لقراراتها وإجراءاتها وحتى تشكيلتها ولكل ما قامت به ، لتشمل هذه المعارضة جميع الإجراءات التي قامت بها والقرارات التي اتخذتها لمواجهة هذا الوباء والتي كانت في الكثير منها مجرد نكاية بها أو تصفية حسابات معها .

اننا الآن ونحن على ابواب مرحلة جديدة وفاصلة في مواجهة هذا الوباء ، لا بل فاصلة في مواجهة مستقبلنا ومستقبل الاردن ، مطالبين بالكثير من الحرص والانتباه والتعاون لنخرج من هذ الوضع بأقل الخسائر ولنعاود الانطلاق للمستقبل لمعالجة كل اخطاء الماضي وان نفتح صفحة جديدة في تاريخ الاردن وحمى الله الاردن وشعب الاردن ونظام الحكم في الاردن .