ارتباكُ المشّهدِ الوبائي والمنافذُ البريّة..!!

الأنباط - 
ارتباكُ المشّهدِ الوبائي والمنافذُ البريّة..!!


في الأداء العام وإدارة الدولة ثمّة معادلة أخلاقية، ورسالة وطنيّة تقوم على الاشتباك الإيجابي المقبول بين ما هو مفهوم ومقبول من جهة، وما يجب أن يخضع للمراجعة والمساءلة وتحمل المسؤولية السياسية والقانونية من جهةٍ اخرى، ولعلَّ التشابك الموضوعي في معايير التقييم، ونتائج الاجتهاد التي تستدعي إعادة البوصله إلى سيرتها الأولى؛ ينبغي معها احترام قواعد المساءلة، وتسريح القناعة بهذا المسؤول أو ذاك بإحسان، وترشيد الثّقة والتصفيق المبكر بإمعان؛ كي لا يأتي صباح مقرون بالندم أو ممزوج بالعدم، وعندها يصبح العتب في غير مكانه، والنقد في غير أوانه، وما بين هذا وذاك؛ ذكاء وتفهم وطني أطال الصبر، وتذاكي برسم الاستعجال والغرور فرض العبر حتى غدا رهان الأمس قيد اضطررنا معه إلى استبدال التصفيق بالعتب، والثناء بالغضب، وخذلان اليوم رسالة لا نرضاها مفادها أن "انج سعد فقد هلك سعيد".

في الوطن قائدٌ فذٌّ استبق الجائحة بقرارات ورؤى أثارت اعجاب العالم أجمع، وشريف هاشمي هو موئل الحق، ومثال الحزم والحرص والتذكير بسد الذرائع والثغرات حتى أضحى من الواجب أن يتمثل به المتنافسون في إدارة الشأن العام بعيداً عن النرجسية اللعينة، والشخصنة المقيته، وخطب ود الناس بدموع لم تتشكل في حدقة العين دون انكار جهدهم الذي لم يتجاوز الحدود الدنيا من واجباتهم الوطنية والدستورية في وطن قدم تضحيات جسام بالدم والعرق انتهكت بمقولة عرجاء: أن الوطن حكاية مؤقتة تُدار بالأمل وحسن النوايا، وتنتهي بعبارة حق لا يستطيع أحد الاعتراض عليها "قدر الله وما شاء فعل".

بصدق، ما كنت أرغب أن اتعرض لحكومة أمضيت عامين على الأقل في الدفاع عنها، والتبشير بقراراتها وسياساتها فقد أفلحت في ملفات محددة في النزاهة ومكافحة الفساد، وأخفقت في غيرها، ولكني كنت دوماً أعظّم النصف الممتلئ من الكأس؛ لدقة الظرف وحجم المخاطر الوطنية وواجب الانحياز للدولة في الملمّات الوطنية، واليوم وفي ضوء ارتباك المشهد الوبائي بسبب سوء تقدير بعض الوزراء لمخاطر فتح المعابر البرية دون ضوابط دقيقة تحترم تضحيات الأردنيين في الالتزام بالحجر العام، والحظر الشامل لأسابيع وأشهر؛ هذا التقدير القاصر يجعلنا نعلن بكل إصرار أن المسوولية الوطنية، والسياسية، والقانونية، والأخلاقية تقع على وزراء الداخلية، والصحة، والنقل، ولجنة الأوبئة وغيرهم بشكل خاص، والحكومة بحكم مسؤوليتها الدستورية التضامنية بشكل عام.

تفعيل قانون الدفاع الذي أعطى رئيس الوزراء صلاحيات وآفاق واسعة للجم الجائحة، واحتواء الوباء يجب أن يقابله تعظيم المسؤولية السياسية والاخلاقية الناجمة عن أي خرق أو إخلال أو إهمال، وتحمل المسؤولية بشجاعة واستقالته الوزراء الذين أخفقوا؛ ليكونوا مثالًا للأخلاق الوطنية في القدرة على تحمّل المسؤولية، ولعل تصريح وزير الصحة بأن الجميع يتحمل المسؤولية عن إصابات سائقي الشاحنات لأوّد التذكير بإنّه لا يعيب الحكومة أو يضيرها أن تعترف بالإخفاق في معالجة ملف الحدود البريّة، بل من واجبها تشكيل لجنة للتحقيق في أسباب هذا الإخفاق الكبير الذي أدى إلى ارتباك المشهد الوبائي، وتحميل المسوولية السياسية والقانونية للمسؤولين عن ذلك دون إبطاء.

تحميل الحكومة لمسؤولياتها في الإخفاق في ملف المنافذ البريّة لا يعني البتة تراخي الناس في مسؤولياتهم تجاه الوقاية، والتباعد الاجتماعي والالتزام بأوامر الدفاع والإدراك بأن استحضار الوطنية في هذا الوقت أكثر أثراً من استحضار المواطنة؛ لإن الأخير عقد يتصور فيه الإخلال في حين أن الوطنية هو مفهوم يتمثل فيه الإيمان الذي لا يقبل فيه خرق السفينة التي تأوينا جميعاً في وطن هو ذروة الكرامة، وتاج الولاء والانتماء للقيادة والتراب.

علينا أن نعترف بإخفاقنا واستعجالنا النصر دون حماية خطوطنا الخلفية في المنافذ الحدودية البريّة؛ ذلك أن خطة الإغلاق العام هي خطة متكاملة لا يجوز أن تكون مجتزأة أو منفلتة من عقال حسن التقدير ومراجعة أساليب الفحص ومدى دقته، وأن يُدرك الجميع أن الثّقة الملكية في ضرورة قيام الجميع بواجباتهم الوطنية تجاه احتواء الوباء؛ هي وديعة غالية في رقاب الشعب والحكومة على حدٍ سواء لا يجوز التفريط بها أو الاستكانة تجاهها. وحمى الله وطننا الحبيب وقيادتنا الحكيمة وشعبنا الطيب من كل سوء...!!

الدكتور طلال طلب الشرفات