وزراء غابوا عن المشهد بشكل كامل، ووزراء تأزيم ابعدوا عن المشهد


معالم خطة الحكومة واضحة، والتعديل الوزراي لـ زيادة رصيدها شعبيا


وزارء اخرون حققوا ما لم تستطع حكومات سابقه تحقيقه في ظل زوبعة الكورونا

الانباط – خليل النظامي
في الوقت الذي كانت فيه معظم الصالونات السياسية منشغلة بـ تداول سيناريوهات تسريبة التعديل الوزاري، خرج علينا رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز خلال الإيجاز الصحفي أمس بـ جملة لم ينتبه لها الكثير من المتابعين قال فيها أن "المنعة الاقتصادية تتطلب ضبط الانفاق ودمج وزارات ومؤسسات".

الجملة كشفت طياتها الكثير من المعاني والتوجهات الحكومية للأيام القليلة القادمة او ما يعرف بالمرحلة الثالثة من أزمة الكورونا المستجد، الأمر الذي نستدل منه على ان التعديل الوزاري لم يكن مجرد اشاعة او بالون اختبار تم تسريبة في الاوساط السياسية والاجتماعية، وأنما توجه تتطلبه المرحلة القادمة، ولا ننسى هنا ان فكرة التعديل الوزاري كانت مطروحة على طاولة الرزاز منذ حوالي شهر، بعد ان قدم وزير الزراعة ابراهيم الشحاحدة استقالته والتي كان المفترض ان يتقدم معه عدد من الوزراء استقالاتهم على اثر قضية "تصاريح التنقل" التي شغلت الرأي العام وما زالت منظوره وقيد التحقيق امام الجهات المعنية بحسب مصادر للأنباط.

في المقابل، ربما انها كانت مجرد جملة معترضة لا تحمل اية مقاصد سياسية او ادارية، وجاءت ضمن سياق الحديث عن الخطة الاقتصادية التي تنوي الحكومة السير فيها لمواجهة الاثار الاقتصادية التي سببها الكورونا على الاقتصاد الوطني، وهذه قراءة مستبعدة كون الرزاز شخصية معروفة بدقته خاصة خلال التصريحات الرسمية.

بعد ان انهينا جوانب التحليل لجملة الرزاز، نأخذ الان منهجية الربط من خلال الاستدلال بها في هذا التوجه، فـ "الواقع العلمي البحثي" يفرض عدة تساؤلات ابرزها عن التوقيت الذي قيلت فيه الجملة في ظل تسريبات عن نية الحكومة اجراء تعديل وزاري، خاصة انها تحمل دلالات عن نية الرزاز اجراء تغيير مفصلي على مؤسسات الحكومة او ما يعرف بـ "دمج وزارات ومؤسسات"، كإجراء ينسجم مع سياسة ضبط الانفاق ضمن الخطة الاقتصادية للمرحلة القادمة التي اشار لها الرزاز.

اما "الواقع السياسي" فنرى من نافذته ان الاولوية في الوضع الراهن عند "المطبخ الأول" تتمحور حول التركيز على مواجهة ازمة الكورونا المستجد وعدم بعثرة الجهود وتشتيت البوصلة، من خلال اعطاء الرزاز مساحة اكبر للعمل والانتاج، نظرا لما حققته حكومته من انجازات في ادارة هذه الازمة حصدت خلالها نسب عالية جدا من الرضى الشعبي والسمعة الطيبة عربيا وعالميا، حيث العديد من رؤساء دول العالم ووسائل الاعلام العربية والعالمية يتغنون بكيفية ادارة الاردن لأزمة الكورونا.

وقبل الدخول لشروحات وتحليل "الواقع العملي" للفريق الوزاري، دعونا نستذكر سويا ما قالة وزير الثقافة والشباب السابق الدكتور محمد ابو رمان في تغريدة له قبل اسابيع، قال فيها "على الرغم من تميز الاردن الى الان بإدارة ملف الكورونا، ما يحسب للتعاون والتكاتف بين مؤسسات الدولة وفريق العلماء في لجنة الاوبئة، الا ان المؤسف ان عددا من الوزراء والمسؤولين يخربون هذا الجهد بتصفية الحسابات بينهم، وتوجيه الضربات لبعضهم عبر تسريبات اعلامية ،، مش وقته".

الدكتور ابو رمان، معروف عنه بالأوساط السياسية والثقافية انه شخصية هادئة جدا، وليس من الشخصيات التي تمارس هواية الانجرار مع تيارات المشاكسات والمطاحنات السياسية، الامر الذي نستنتج منه ان ما حملته تغريدته لم تكن قراءة او رأي، بل كانت معلومة موثقة لديه وشتان ما بين الرأي والمعلومة، ولا ننسى هنا ان ابو رمان كاتب وباحث وصحفي بنفس الوقت الامر الذي يحتم علينا التركيز في مخرجاته.

الى ذلك وبعد الاسابيع الاولى من دخول ازمة الكورونا، اخذت الصورة العامة للفريق الوزاري خاصة الوزراء المعنيين بملف أزمة الكورونا المستجد شكل التنافس للظهور عبر وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بقصد وبدون قصد، الامر الذي شرّحه العديد من السياسيين والصحفيين والكتاب الصحفيين ورواد ومنصات التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعزز ومستنكر ورافض لسلوكيات بعض الوزراء، حتى بات البعض يطلق على بعضهم وزراء الاستعراض والـ "SHOW".

وفي الجانب الايجابي، نرى وزراء كـ وزيري الصحة الدكتور سعد جابر والاعلام امجد العضايلة حصدوا اعلى نسب الرضى الشعبي والسياسي، وحققوا ما لم يستطع وزراء كثر من قبلهم تحقيقه في مسألة اعادة الثقة بين الاجراءات الحكومية والقبول والتفهم الشعبي لها من جهة، واعادة هيبة الاعلام الرسمي ومصداقيته وتوحيد مرجعيته من جهة اخرى، وهذه انجازات غير مسبوقة تسجل في تاريخ كل منهم.

ومن الزاوية الحادة، نلاحظ ان هناك وزراء غابو او تغيبوا عن المشهد العام بشكل كامل، ووزراء اخرين قدموا أقل بكثير مما كان متوقع منهم في هذه الازمة الطارئة، وبعضهم حاول الاجتهاد ولم يصب وكانت تتحول كل اجتهاداته الى أزمات عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام ما ادخله في دائرة تصنيف "وزراء التأزيم"، الامر الذي تطلب من رئيس الوزراء ابعادهم عن المشهد قليلا.

ولتكتمل لدينا منهجية الربط نضيف الى "الواقع العملي"، الانتقادات التي تلقاها الملف الاقتصادي والقائمين على ادارته من خلال ما رأيناه في العديد من المقالات الصحفية، وتصريحات اعلامية لـ عدد من الشخصيات السياسية من الرعيلين الليبرالي والمحافظ وبعض الكتاب الصحفيين، الامر الذي تكهن فيه المراقبون على انه سياسة "رفع الغطاء" لـ منح الشرعية بـ اجراء التعديل للقائمين على هذا الملف، خاصة اننا مقبلين على مرحلة اقتصادية ستكون الأصعب وتتطلب قرارات صعبة جدا.

المرحلة القادمة ملفوفة بالغموض الاقتصادي والكثير من الغيوم في اقليميا وعالميا، ومعالمها ضبابية على صعيد التغيير المحلي، ولكنها واضحة تماما على صعيد الخطط والاجراءات الحكومية خاصة الاقتصادية، واجراء تعديل في هذا التوقيت والظرف لن يضفي لهذه الخطط والتدابير شيئا مثيرا وجديد، ولكنه ربما يغير توجهات الرأي العام ويعزز رصيد حكومة الرزاز لديه، الامر الذي ينهي ازمة الثقة المتوارثة من الحكومات السابقة والبدء من جديد بملابس جديدة وشكل جديد تمهيدا للمرحلة الاصعب المتمثلة بما بعد انتهاء أزمة الكورونا المستجد، وبهذا لا يبقى لدينا سوى ملف تمديد مدة مجلس النواب او حله وسط ضبابية في رؤية التوجه حاليا.