صناعة الزراعة والتكامل العربي و إعادة ضبط العولمة بعد ازمة كورونا
الأنباط -صناعة الزراعة والتكامل العربي و إعادة ضبط العولمة بعد ازمة كورونا
اتبعت الأردن العديد من الاجراءات الاستثنائية والمبكرة لمواجهة أزمة الكورونا والتي اشادت بها العديد من الدول مما أدى الى نجاح باهر في مكافحة الفيروس وهذا بعث ارتياحا لدى المواطن الأردني وعلى الرغم من تغير هيكل الاقتصاد العالمي وصولا الى نظام اقتصادي جديد الا أنه يتوقع ان يشهد الاقتصاد الأردني تطورا ملحوظا خلال الفترة القادمة.
وعلى صعيد الانتاج المحلي الزراعي فانه وخلال أزمة كورونا أثبت الأردن أنه قادر على التكيف مع الأزمات بما فيها التغيرات المناخية وأنه قادر أن يعتمد على نفسه في الإنتاج الزراعي وأن المزارع الأردني عمل على تنويع المنتجات الزراعية بصورة متميزة ويستطيع أن يحقق الأمن الغذائي.
يعني مفهوم الأمن الغذائي، حسب تعريف منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) "توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية ونشطة"، ويختلف هذا التعريف عن المفهوم التقليدي للأمن الغذائي الذي يرتبط بتحقيق الاكتفاء الذاتي باعتماد الدولة على مواردها وإمكاناتها في إنتاج احتياجاتها الغذائية محليًا،وهذا الاختلاف يجعل مفهوم الأمن الغذائي حسب تعريف الفاو أكثر انسجامًا مع التحولات الاقتصادية الحاضرة، وما رافقها من تحرير للتجارة الدولية في السلع الغذائية.
ويعتبر الأمن الغذائي من التحديات الرئيسية في الوطن العربي، فعلى الرغم من توفر الموارد الطبيعية من الأرض والمياه والموارد البشرية، فإن الزراعة العربية لم تحقق الزيادة المستهدفة في الإنتاج لمقابلة الطلب على الأغذية، واتسعت الفجوة الغذائية وأصبحت الدول العربية تستورد حوالي نصف احتياجاتها من السلع الغذائية الرئيسية.
وأهم المخاطر الاقتصادية لنقص الغذاء تتمثل في اختلال ميزان المدفوعات وتوجيه الموارد النقدية إلى استيراد الغذاء على حساب استيراد السلع الاستثمارية ، وهذا يؤدي حتماً إلى الإضرار بمسيرة التنمية الاقتصادية واختلال السوق المحلية، مما يؤثر سلباً في استقرار الاقتصاد. ولا يقف الأمر عند المخاطر الاقتصادية، بل هناك مخاطر اجتماعية كثيرة تظهر في زيادة معاناة الفئات الفقيرة ومحدودي الدخل من السكان حيث يجدوا صعوبة في الحصول على المواد الغذائية وتدني المستوى الغذائي للمواطنين، مما يلحق أضراراً صحية بقطاع كبير من السكان خاصة في الدول التي تعاني من مشكلات اقتصادية.
وعلينا مضاعفة الاهتمام بالاستثمار في إنتاج الغذاء ووضع مقاييس صارمة لجودة الغذاء، حيث أن الاستثمار بصورة عامة هو المحرك الرئيس للنشاط الزراعي لارتباطه المباشر بالتكوين الرأسمالي وزيادة قدرات الاقتصاد الوطني في الإنتاج لتحقيق معدلات النمو الاقتصادي وزيادة فرص التوظيف في القطاع الزراعي وتوفير الأمن الغذائي والسلام الاجتماعي وفي دول عربية عدة هناك حاجة إلى إنفاق المزيد على الاستثمارات الزراعية والغذائية المطلوبة لتغطية الطلب على السلع الغذائية وخاصة الرئيسة لأن الاعتماد على الاستيراد بشكل كبير يشكل مخاطر جمة على الواقع الاقتصادي لهذه البلاد.
ومن المهم أن يكون هناك تعاون واستثمار مشترك في هذا المجال وليس بالضرورة أن تمتلك كل الدول العربية كل مقومات الزراعة، بل ان التعاون سيحقق منافع اقتصادية للجميع، فهناك دول لديها أراضي خصبة صالحة للزراعة و أيدي عاملة ومياه، ولكنها تحتاج إلى الاستثمار في هذا المجال، وهذا الاستثمار المشترك لا يحقق توفير الغذاء المناسب بالسعر المناسب لكل من يحتاج إليه فحسب، لكنه يحقق أهداف أخرى مهمة للغاية وفي مقدمتها زيادة مساحة الرقعة الزراعية، وتوفير فرص عمل لكثير من العاطلين عن العمل، خاصة في المناطق الريفية والذين بدأوا في الهجرة إلى مناطق حضرية، وهذا في الواقع خسارة كبيرة لقطاع التنمية الزراعية في العالم العربي.
وهناك حاجة ماسة لإنشاء ما يسمى بـ«المخزون الاستراتيجي الغذائي» وهذا يتطلب تعاوناً بين الدول، وضخ استثمارات ضخمة في مجال الزراعة وإنتاج الغذاء، واستخدام أحدث التقنيات المتوفرة في الزراعة والصناعات الغذائية، وتشجيع المؤسسات الوطنية على المشاركة بما يحقق الأمن الغذائي العربي وعدم ترك هذا القطاع المهم للاستثمارات الخارجية والشركات العالمية التي يمكن أن تنسحب في أي وقت أو تفرض ما تشاء من أسعار لمنتجاتها الغذائية. والاهتمام بتقليل الهدر في الطعام وتحسين سلاسل التوريد الغذائية، والاهتمام بقضايا الطاقة المتجددة والاستدامة البيئية وكفاءة استخدام المياه والاقتصاد المستدام والاقتصاد الدائري والنمو الاخضر.
وقد دعا جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين الى اعادة ضبط العولمة وهذا يتطلب تضافر الجهود والاستفادة من الميزة النسبية والتنافسية للدول العربية وصولا الى تحقيق الأمن الغذائي.
الدكتورة مسنات الحياري
خبيرة اقتصادية