الشائعات
لقد وجدتْ الشائعاتُ هذه الفترة الأرضَ الخصبةَ ، حيثُ أصبحَ عددُ الشائعاتِ أكثرَ من عددِ الحقائقِ للأسف ، ولقدْ نهى اللهُ ورسولُهُ عن الشائعاتِ ، وقالَ تعالى في سورةِ الحجراتِ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ(6)، ولقدْ وضّحَ العلماءُ أنَّ معنى التّبَيُّن هو التأكُّدُ من الخبرِ وصِدْقِهِ وظُروْفِه وملابساتِهِ ، وكذلكَ قالَ رسولُ اللهِ – صلّى الله عليه وسلّمَ - : (كفى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يحدِّثَ بِكلِّ مَا سَمِعَ ) رواه مسلم ، وفي حديثٍ أخرَ قال رسولُ الله – صلّى الله عليه وسلّمَ - : إنَّ الله حَرّمَ عليكُم عُقوقَ الأمّهاتِ ، ووَأْدَ البَنَاتِ ، ومَنْعاً وهاتِ ، وَكَرِهَ لكُم قيلَ وقالَ وكثرةَ السؤالِ , وإضاعة المالِ ) ، وهنا دلالةٌ على أنّ كثرةَ الكلامِ وقِيْلَ وقالَ وموضوعَ الشائعاتِ ليس بالجديدِ ، ولكنْ هو كالفيروسِ له وَقْتُ ذروةٍ ، حينَ يَنْتشِرُ أصحابُ النفوسِ المريضةِ ، وفي زَمَنِ رسولِ اللهِ ظهرتْ حادثةُ الإفْكِ ، وهي عندما تـأخّرتْ أُمُّنَا عائشةُ – رضي الله عنها - خلفَ الجيشِ وهيَ تبحثُ عنْ عِقْدِها ، وعندَما رجَعتْ لمْ تَجِدْ أحدًا فنامَتْ ، وعندَما رآهَا صَفْوانُ بنُ المعطلِ وكانَ خلفَ الجيشِ جاءَ بها، فرآها المنافقونَ وقد جاءتْ وحدَها معَ صفوانَ فِي نَحْرِ الظّهيرةِ وجدوها فُرصةً لينَالُوا مِنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ويطْعَنُوا فِي عِرْضِه ، وأصبحَ العديدُ منَ المنافقينَ يخوضون فِي الحديثِ عن السيدةِ عائشةَ - رضي الله عنها- ، ولكنّ اللهَ أنزلَ براءةً للسيدةِ عائشةَ في سُورةِ النّور ، حيثُ قال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)
الإشاعةُ هي خبرٌ أو مجموعةٌ مِنَ الأخبارِ الزائفةِ التي تَنتشِرُ في المجتمعِ بشَكْلٍ سَريْعٍ وتتدَاولُ بينَ العامّةِ ظنًا مِنْهُم عَلى صِحّتِها ، دُوْنَ أنْ تكونَ مُستندةً إلى مَصْدرٍ مَوثوقٍ ، وهناكَ أنواعٌ عِدّةٌ للشائعاتِ مِنها : الشائعاتُ الشّخصيّةُ التي تَهدفُ إلى شَخصٍ معينٍ وهناكَ الشائعاتُ الاقتصاديةُ وهيَ تخصُّ المَجالَ الاقتصاديَ مثْلَ نقْصِ مَخزونِ مادةٍ معينةٍ ، أو ارتفاعِ سعرِ سلعةٍ مَا ، والشائعاتُ السياسيةُ التي تخصُّ الحكومةَ مثْلَ نقْلِ أنباءٍ مُعينةٍ ونسبِ الخبرِ إلى أحدِ المسؤولين السياسيين ، وظهرَ في هذهِ الأوانِ الشائعاتُ المرضيةُ وهي مَا نُعاني مِنهُ حَاليّا بسببِ أزَمَةِ كُورونا ، حيثُ ما أنْ تظهرَ حالةٌ أو اشتباهٌ في حالةٍ حتّى تبدأُ الأقاويلُ والقصصُ ونَسْجُ الخيالِ والتّخمينُ والزيادةُ في الأعدادِ ، ووسائلُ التّواصلِ الاجتماعي ساعدتْ على أنْ تكونَ أرضاً خصبةً لنقلِ مثلِ هذه الأكاذيبِ، لِنَأْخُذْ نفساً عميقاً ونفكّرْ قليلاً ، ما الهدفُ مِنْ نقلِ هذه الشائعاتِ ؟ نعودُ إلى الشائعاتِ الشخصيةِ ، غالبًا ما يكونُ السببُ هو الغيرةُ والحِقْدُ على هذا الشخصِ الذي نختلق عليه الأقاويلَ ، هناك حديثٌ لرسول الله – صلّى الله عليه وسلّمَ - (مَنْ كان يؤمنُ بالله واليومِ الأخرِ فَلْيَقُلْ خيراً أو لِيصمتْ) ، ومقولةٌ تقولُ : (لا يُرمى بالحجارة إلا الشجرةُ المثمرةُ ) ، فهذا دليلٌ على أنّ الشخصَ المميّزَ والناجحَ على الأغلبِ هو الذي تُحاكُ حولَهُ الشائعاتُ ، وبسببِ مرضِ النفوسُ وغيابِ الهدفِ والفراغِ الداخلي للشخصِ الحاقدِ يبدأُ بحياكةِ الشائعاتِ ونقلِها، حيثُ تقولُ الحكمةُ : مَنْ تركَ فضولَ الكلام رُزِقَ الحكمةَ ، والشخصُ الحكيمُ يستثمرُ وقتَهُفي عَمْلٍ مُفيدٍ ؛ لأنه يعلمُ الخيرَ له ، ولقدْ قالَ رسولُ اللهِ – صلّى الله عليه وسلّمَ - : ( مِنْ حُسْنِ إسلامُ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعنيهِ) ، وكذلكَ الأمرُ بالنسبةِ للشائعاتِ الاقتصاديةِ فهي أمّا أنْ تكونَ أغراضاً شخصيةً مِنْ أجْلِ تَسويقِ سِلْعةٍ كاسدةٍ ، أو استغلالَ المواطنين في رَفْعِ سِلْعةٍ مُعينةٍ ، ويكونُ الهدفُ بالغالبِ هو نَشْرُ الطاقةَ السلبيةَ في المجتمعِ ونَشْرِ الهَلَعِ والخوفِ ، قَدْ يؤدّي عَدمُ الوَعْي إلى شراءِ حاجاتٍ ليسَ بحاجةٍ لها أو شِراءِ كمياتٍ كبيرةٍ مِنْ سِلَعٍ قَدْ يؤدّي تخزينُها إلى فَسادِها وَمِنْ ثَمَّ تَلَفُ هذه الموادِ ، وقدْ رَأينا ذلك بِأُمِّ أعينِنا قَبْلَ فَتْرةٍ في شِراءِ الخُبْزِ ، وبالتالي عدمُ الاستفادةِ مِنْ هذه ، لا للشّخصِ ولا للتاجر ، بالنسبة للشائعاتِ السياسيةِ تكونُ مِنْ أشخاصٍ ليس لديهِم علاقةٌ في الشؤونِ السياسيةِ ، أو أنّ هناكَ مشكلةً شخصيةً مع سياسيٍّ مُعينٍ ، فيبدأُ بإثارةِ الفِتَنِ بينَ المواطنينَ والحكومةِ وخَلْقِ جَوٍّ مِنْ عَدمِ الثّقةِ وعَدمِ الأَمْنِ وَالأمَانِ ، وآخرُ نوعٍ من الشائعاتِ هي الشائعاتُ المرضيّةُ ، التي ظهرتْ بسببِ ذلك الفيروسِ ، فالشائعاتُ فيروسٌ ظهرَ بسببِ وجودِ فيروسٍ ، فمِنْ خلالِ شخصٍ واحدٍ يتضاعفُ العددُ إلى العشراتِ ، ويبدأُ التشهيرُ به وبعائلتِه مِنْ نشْرِ اسمِ الشخصِ وغيرِها مِنْ المعلوماتِ الخصوصيةِ للمريضِ ، وكأنّ هذا المرضَ أصبح وصمةَ عارٍ عليه ، وعلى كلّ أفرادِ أسرتهِ بأكملها ، فلا يتجاوزُ الموضوعُ العائلةَ ، فلقدْ لاحظنا كميةَ الشائعاتِ والأقاويلِ على محافظةِ أربدَ ، وكأنّها ليست مِنْ وطنِنا الحبيبِ ، مَا الذي أوصلنا إلى هذا الحدّ ؟ أليسَ الجهلُ وعدمُ الصبرِ، وعدمُ التّبينِ من الخبرِ قبلَ مشاركتِه والتحدثِ فيه .
علينا العودةُ إلى اللهِ ، وأنْ نكونَ قدوةً في دينِنا وأخلاقِنا ، وندركَ الخطرَ مِنْ تناقُلِ هذه الشائعاتِ ، وأنْ تكونَ هذه الفترةُ لإنجازِ المَهامِ واستثمارِ الوقتِ بكلّ ما يعودُ بالفائدةِ على المستوى الشخصي والعائلي والمجتمعي ، فهو أفضلُ بكثيرٍ مِنْ نَقْلِ الأقاويلِ التي ليسَ مِنْ نقْلْها فائدةٌ ، وعلينا أنْ نعملَ على نَشْرِ الطاقةِ الايجابيّةِ في المُجتمعِ ،وأنْ نُبشّرَ الناسَ بالخير ، فقدْ قالَ رسولُ اللهِ – صلّى الله عليه وسلّمَ - : بشّروا ولا تنفّروا " رواه البخاري ، حيثُ قالَ اللهُ تعالى في كتابه الكريم : " إنَّ معَ العُسْرِ يُسْرًا " ، وكرّرها للتّأكيد عليها ، وأنْ يُحسنَ الإنسانُ الظّنَّ باللهِ ، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي : " أنا عند ظنّ عبدي بي فلْيظنّ بي ما شاء " .
وعلينا أنْ ندركَ بأنّ لكلّ شخصٍ ولكلّ بلدٍ مُحبّين ، وكذلك هناك مغرضون ينتظرون الفرصةَ لينالوا مِنْ الشخصِ أو الوطنِ ، لذلك أصبحَ منَ الواجبِ التكافلُ والتّضامنُ وعدمُ نقْلِ الشائعاتِ ، بلْ على العكسِ يجبُ تكذيبُ هذه الشائعاتِ ، والبحثُ عن المصادرِ الموثقةِ .
دُمْتُم ودَامَ الوطنُ بألفِ خيرٍ ، انثروا الحبَّ والتفاؤلَ .