"تقوية مناعة الاقتصاد الأردني وتحويل الازمة الى فرصة"

الأنباط -إن الحكومة الأردنية وكافة القطاعات على رأسها قواتنا المسلحة الباسلة والأجهزة الأمنية لم تدخر جهداً من أجل صحة وسلامة الوطن ومنعته في مواجهة وباء الكورونا، وكانت سباقة في اجراءات يشهد عليها القاصي والداني، فلهم منا كل الشكر والتقدير. 

 إن تقوية مناعة الاقتصاد لا تقل أهمية عن تقوية مناعة المواطنين في مواجهة هذا الوباء، فمما لا شك فيه فإن فايروس كورونا قد فتك برئتي الاقتصاد وأصابه بأضرار بالغة قد يصبح تداركها على المدى الطويل مهمة شبه مستحيلة. 

- طرفا المعادلة الصعبة؛ الصحة والاقتصاد

في هذه الأيام يقف العديد من المسؤولين وأصحاب القرار في العالم مكتوفي الأيدي أمام معضلة التوفيق والمفاضلة بين طرفي هذا المعادلة بالإضافة إلى عدم امتلاكهم الجرأة في تفضيل طرف على حساب الأخر.

فإن في تغليب طرف الصحة والسلامة العامة على حساب الطرف الاقتصادي يعد ملاذاً آمناً ومظهراً من مظاهر السيادة يسعى به المسؤولين وأصحاب القرار إلى حماية قواعدهم ورصيدهم الشعبوي وصورتهم الخارجية أمام نظرائهم بالإضافة إلى التخفيف من تبعات التزامات قد تلقي بظلالها عليهم في مواجهة الرأي العام في حال عدم قيامهم بذلك،

وإن في تغليب الطرف الاقتصادي على طرف الصحة والسلامة العامة يعد مظهراً عقلانياً عالي المخاطرة يسعى به المسؤولين وأصحاب القرار إلى مواجهة الرأي العام بحقائق وأرقام قد تكون صادمة ومثيرة للفزع تخلو من العواطف وتكون حتماً على حساب رصيدهم الشعبوي وترتب عليهم التزامات اخلاقية لا تمكنهم من مواجهة الرأي العام. 

ما الحل إذاً؟

الحل يكون في تحويل الأزمة الى فرصة والعمل بالتوازي على طرفي المعادلة وعدم تغليب طرف دون الآخر فإن احداهما مكملٌ للأخر، فمن دون اقتصاد قوي لا يمكن الاستمرار في إجراءات المحافظة على صحة وسلامة المجتمع ومن دون مجتمع صحي وعفي لا يمكن تحريك عجلة الاقتصاد، وبالتالي تتحقق الاستدامة بالتغلب على تبعات هذا الظرف الطارئ جنباً إلى جنب المحافظة على منعة وقوة الاقتصاد.

بالإضافة الى الإجراءات المقترحة المكملة التالية:
 
• تولي المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات مركزية القرار وإدارة الأزمة كاملة حتى انتهائها وانتهاء التبعات والارتدادات المصاحبة لها، مع التأكيد على ضرورة اشراك الحكومة والمركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات لممثلي كافة القطاعات الاقتصادية الحيوية ذات العلاقة من القطاع الخاص في جهودهم في مكافحة الأزمة ورفد المركز بالكفاءات والإمكانيات والوسائل اللازمة لأداء مهامه.

• الابتعاد عن أسلوب الفزعة وما يصاحبه من إجراءات تجميلية من شانها فقط تغليف المشكلة دون حلها لا بل المساهمة في تفاقمها وعدم القدرة على حلها، بالإضافة إلى الابتعاد عن الشعور المبكر بنشوة الانتصار ففي ذلك ارتدادات فعل عكسية من شأنها هدم كل ما بني.

• العمل على اعداد موازنة جديدة وجدولة الديون الخارجية والبحث عن مصادر اقتراض أقل تكلفة والكف قدر المستطاع في هذه المرحلة الحساسة عن مزاحمة القطاع الخاص في الاقتراض الداخلي من البنوك المحلية لتوفير السيولة الكافية والمساهمة في خفض نسب الفوائد.

• العمل على اصدار قرارات من شانها تعطيل كافة الاتفاقيات والعقود والالتزامات والمدد والتبعات القانونية بشكل مؤقت ولمدة لا تقل عن ستة شهور.

• التصريح لمركبات التكسي والتطبيقات ووسائل النقل ذات العلاقة بتقديم خدمات التوصيل للمواد والسلع والطرود الشخصية.

• التصريح لقطاعات الأعمال المختلفة بالدوام الجزئي بشكل تدريجي من حيث عدد ساعات الدوام وعدد الموظفين المصرح لهم.

• وضع خطة استراتيجية وطنية واضحة وشاملة لتحفيز الاقتصاد كمشروع دولة عابر للحكومات بمشاركة كافة مؤسسات الدولة وكافة الفعاليات الاقتصادية في القطاعين العام والخاص، على ان تكون شاملة ومتكاملة وليست انتقائية لقطاع أو نشاط دون الأخر.
 
• العمل على تطوير الإعلام الرسمي ورفده بالوسائل التي تحاكي وتواكب العصر وبالطاقات والكفاءات الشبابية الناشطة في هذا المجال.

• اشراك نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي وتسخير طاقاتهم والاستفادة من خبراتهم ومخزون متابعيهم في هذا المجهود الوطني في التصدي للازمة، حيث ان في ذلك وسيلة فعّالة لتعبئة الفراغ الناتج عن الحظر و/أو التعطل عن العمل والذي قد يستغله البعض في نشر و/أو إعادة نشر الإشاعات والأخبار المضللة عن قصد أو دون قصد.
 
• القطاع البنكي والمؤسسات التمويلية: يجب على هذه القطاع الهام والحيوي التقاط إشارات السوق والتحرك لدفع عجلة الاقتصاد والمحافظة على استدامته وعلى معدلات نموه في ظل هذه الظروف الاستثنائية من خلال:

- التخفيض الحقيقي لمعدلات الفائدة وإعادة جدولة التسهيلات القائمة وإطالة مدد سداد التسهيلات الجديدة.

- الالتفات أكثر إلى الأعمال الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة واصحاب المهن من خلال برامج تمويلية مرنة بشروط ميسرة تتناسب مع طبيعة وامكانيات تلك الجهات.

- تفعيل دور المسؤولية الاجتماعية من خلال تقديم قروض حسنة بدون فائدة او بفائدة منخفضة جداً (1% - 2%) لبعض عملائها من القطاعات المتضررة على شكل سلف قصيرة ومتوسطة الأجل لتمويل رأس المال العامل على مدد تتراوح بين سنة وثلاث سنوات.

• الشق التشريعي: العمل على تبني مشروع تشريعي وطني يواكب التطورات ويعمل على وضع كافة التشريعات الناظمة للحياة الاقتصادية في مقصلة تشريعية واحدة للخروج بتشريعات مستقرة واضحة ومتكاملة ومتناغمة مع بعضها البعض تخلو من تعقيدات وازدواجية وبيروقراطية الإجراءات ، وتذلل كافة العراقيل التي تواجهها قطاعات الأعمال المختلفة، وتضمن عدم تداخل وتضارب الصلاحيات وتعدد المرجعيات بين المؤسسات والدوائر الناظمة للحياة الاقتصادية المختلفة، والذي بدوره سيخلق بيئة استثمارية جاذبة تحافظ على ثقة المستثمرين في قطاعات الأعمال المختلفة وزيادة شعورهم بالأمان والاستقرار التشريعي.

- فن تحويل الأزمة الى فرصة
 
إن فن تحويل الأزمة الى فرصة نموذج إبداعي نحو الاستدامة، فالعديد من الفرص والافكار الخلاقة ولدت من رحم الازمات وصقلت تحت مكابس الضغط العالي، فإنه لا يخفي على أحد بأن الوضع الاقتصادي خلال هذه الأزمة لم يكن بأفضل حال قبلها، وعليه يجب تركيز جهود الدولة ومواردها نحو بعض الفرص التالية التي يمكن اقتناصها والتي اكدت هذه الأزمة على ضرورة الاهتمام بها دون غيرها: 

1.الاستثمار في رأس المال البشري:

"في ظل شح الموارد الأولى التنقيب عن الثروات فوق الأرض عن التنقيب تحتها"

لقد حبانا الله بمجتمع فتي يعد ثروة حقيقية إن أحسنا رعايته وتطويره وصقل مهاراته وشخصيته، ولن يتم ذلك إلا من خلال:

• العمل على صقل شخصية أفراد المجتمع وتعزيز حس المواطنة والايثار والالتزام من خلال انخراط افراد المجتمع في العمل الاجتماعي والتطوعي والرياضي والفني والثقافي، حيث كانت وللأسف حسب أحدث الدراسات نسبة انخراط الأردنيين بالعمل التعاوني متواضعة جداً مقارنةً مع دول الجوار.

• العمل الجاد على تطوير منظومة التعليم الأكاديمي والمهني في مراحله المختلفة لكي تواكب التطورات التكنولوجية، فلا يعقل ونحن في الألفية الثالثة لا نزال ندرس مادة الحاسوب نظرياً وبلغة معربة افقدته وافرغته من محتواه.

• العمل على تبني التجربة الألمانية الرائدة في مجال التدريب المهني والتقني. 

• العمل على مراجعة مخرجات التعليم خطوة بخطوة والوقوف على أسباب تراجعه وقلة جاذبيته عند المشغلين المحليين و دول الجوار، بالإضافة الى إعادة النظر ببعض التخصصات المشبعة واستحداث تخصصات جديدة تلبي حاجة السوق.
 
• العمل على تسويق تلك الموارد بعد إعدادها وصقل شخصيتها لسوق العمل ليكونوا ثروة وطنية تعود بالنفع على الدولة وعلى الاقتصاد. 

• العمل على إعادة تعريف ريادي الأعمال وعدم المساهمة في خداع البعض ببريق امتلاك عمل خاص يدر الملايين، فليس كل موظف ناجح ريادي فقطاعات الأعمال المختلفة تشتكي من قلة وندرة الكفاءات بالرغم من ارتفاع معدلات البطالة.

 2.الاستثمار في القطاع الزراعي والصناعات الغذائية المرتبطة: 

يعد القطاع الزراعي والصناعات الغذائية من أهم القطاعات الإنتاجية التي تحقق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتي والاعتماد على الذات وعلامة فارقة في قياس قوة ومنعة الاقتصاد، فهذا القطاع بحاجة إلى وقفة جدية نحو دعمه وتشجيع الاستثمار به من خلال:

• توزيع أراضي مجانية وتقديم التسهيلات والدعم اللازم لخريجي كليات الزراعة بغرض استصلاح تلك الأراضي، كما هو الحال في بعض الدول المجاورة.
• الاستثمار المباشر و/أو استقطاب الاستثمارات بغرض إنشاء مراكز بحوث ودراسات زراعية متطورة.
• وضع خطة وطنية لدعم المزارعين وتسويق منتجاتهم الزراعية.
• تقديم الدعم والاعفاءات والتسهيلات اللازمة لهذا القطاع الحيوي.

3. الاستثمار في قطاع تكنولوجيا المعلومات /التجارة الإلكترونية/ الخدمات اللوجستية:

لا شك بأن معظمنا، منذ بدء أزمة كورونا، قد لمس أهمية هذا القطاع سواءً في إنجاز مهام الاعمال والتواصل مع فريق العمل وشراء السلع والحاجيات الاساسية عن بُعد، هذه القطاع الذي استشرق جلالة الملك مدى أهميته في وقت مبكر والذي يحظى برعايته السامية بحاجة إلى دعم حقيقي من خلال:
 
• تفعيل الإعفاءات الممنوحة لهذا القطاع، للأسف هناك قرارات تحفيزية لهذا القطاع بقيت في الأدراج دون تفعيل من قبل قوى شد عكسي لم تلتقط بعد اهمية هذا القطاع.   
• استقطاب الاستثمارات الرائدة في هذا المجال.
• تقديم الدعم والاعفاءات والتسهيلات اللازمة لهذا القطاع.

4.الاستثمار في قطاع الطبي والسياحة العلاجية وصناعات الأدوية والمستلزمات الطبية:

يعد هذا القطاع من اهم أركان الأمن الوطني ومن أكثر القطاعات تطوراً محلياً وإقليمياً والذي جعل من الأردن الوجهة العلاجية الأولى على مر العقود الماضية. إن هذا القطاع بحاجة الى وقفة حقيقية لإرجاع بريقه والمحافظة عليه وتذليل كافة الصعوبات التي تواجهه وتحسين الوضع المعيشي للعاملين فيه في القطاعين العام والخاص واستقطاب وتشجيع الاستثمار به وتطويره. 

واخيراً وليس أخراً، على القطاع الخاص التفكير بحلول إبداعية لتحويل الأزمة الى فرصة فكما أسلفت سابقاً العديد من الفرص والافكار الخلاقة ولدت من رحم الازمات وصقلت تحت مكابس الضغط العالي، بالإضافة إلى:

1. التفكر والتعقل في هذه المرحلة الحساسة، والتفاؤل القصري تجنباً لاتخاذ قرارات متسرعة من شانها تعقيد الأزمة.

2. التواصل المستمر مع الموظفين (راس المال الحقيقي) واشراكهم في اقتراح الحلول والآليات المناسبة للتعامل مع الأزمة مما يساعد على تخفيف الضغط النفسي والفكري على أصحاب العمل وتحسين نوعية القرار وجعل القرار المتخذ أكثر ثبات وقبول لدى العاملين مما يدفعهم إلى تنفيذه بحماس شديد ورغبة صادقة.

3. بحث إمكانية الحصول على تسهيلات جديدة و/أو جدولة التسهيلات القائمة.

4. الاستثمار أكثر في تكنولوجيا المعلومات.

5. بحث البدائل المناسبة والتجرؤ بالتفكير بفرص استثمارية قد تكون جديدة وغير تقليدية، وفي بعض الأحيان قد يكون القرار بعدم التوسع في انشاء فروع او خطوط إنتاج جديدة، او توقيف نشاط او أكثر من أنشطة الشركة لصالح الاستثمار في بدائل أخرى أكثر نجاعة، وفي كل الأحوال يجب أن تتسم القرارات بالتحفظ والبعد عن التوسع حتى في القطاعات التي استفادت آنياً خلال إجراءات الحظر.  

6. الاستفادة من القرارات والإجراءات الحكومية المتخذة للتخفيف من وطأة الازمة.

7. التواصل مع موردين وعملاء الشركة بشكل دائم خلال هذه الفترة للوصول الى تفاهمات تشاركية تخدم كل الأطراف.

8. تبني وتطويع استراتيجية استدامة الأعمال لكسب حصة سوقية أكبر وكسب ثقة عملاء المؤسسة، فالمساهمة مادياً وعينياً وإبراز دور المسؤولية الاجتماعية في وقت الأزمات لها أثار نفسية بالغة على قطاع المستهلكين وسوف يتم لمس اثاره الإيجابية في المستقبل القريب.    

في الختام اعتذر عن الإطالة، وإن ما اوردت ما هو إلا إجتهاد شخصي سواء وافق الصواب أم لا وكلنا نجتهد  ونخطئ والأمر في البداية والنهاية بيد الله.

 حمى الله الاردن وطناً ومليكاً وشعباً وادام الله عليكم جميعاً الصحة والعافية