الخوالدة: أزمة كورونا صدمت العالم وكشفت عن مفاجأت
الأنباط -الخوالدة: أزمة كورونا صدمت العالم وكشفت عن مفاجأت
قال الدكتور خليف الخوالدة في تغريدة عبر حسابه على تويتر:
لم يبدأ فيروس كورونا في مختلف دول العالم بالتزامن.. بل بدأ في الصين واستمر فيها قبل غيرها من الدول لفترة طويلة امتدت لشهور.. وتلك الفترة كانت كفيلة وكافية لدول العالم لكي تتنبه وتحتاط..
ولكن وللأسف، لم تلتقط دول العالم المتقدم بشكل عام هذه الإشارة والإنذار ولم تتخذ إجراءات احترازية ووقائية إلا بعد ظهور حالات من الإصابة بفيروس كورونا فيها..
ولو اتخذت الدول إجراءات احترازية ووقائية صارمة منذ البداية لما انتشر الوباء خارج الصين.. ناهيك عن أن تكلفة ذلك الإجراء آنذاك لا تقارن بتاتا بما تتحمله هذه الدول الآن من تكاليف باهظة.. وقبل كل هذا ما تخسره من أرواح وتعطل الحياة وتوقف الاقتصاد.. ورصيد ثقة المواطن بحكومات هذه الدول في تآكل مستمر وانحدار شديد..
كشفت أزمة كورونا أن لا أشد خطورة على مختلف دول العالم دون استثناء، المتقدم منها والنامي، من السلاح البيولوجي الذي تعجز عن التصدي له ترسانة الأسلحة والإمكانيات.. وهذا الأمر أحدث تحولا في عقلية الدول العظمى تجاه مختلف التحديات والأمور..
كشفت أزمة كورونا ضعف الإمكانيات الحقيقية للكثير من الدول المتقدمة في مواجهة الأوبئة وافتقارها لأبسط المتطلبات والأدوات بعكس الهالة المرسومة لضخامة قدراتها وإمكانياتها..
كما كشفت أزمة كورونا عن الغياب الحقيقي لإدارة الأزمات في الدول المتقدمة وخصوصًا فيما يتعلق بالكوارث والأوبئة..
لا شك في أن الأزمة احدثت تحولًا في نمط وطريقة تفكير العلماء والباحثين وأصحاب الاختصاص وكذلك شكلت صدمة للعالم وللقادة ولكبار المسؤولين في مختلف دول العالم المتقدم..
التعامل مع أزمة كورونا شكل فرص هائلة للتعلم من الأخطاء وضعف الجاهزية في الكثير من دول العالم المتقدم..
أما في الأردن ورغم شح الموارد ومحدودية الإمكانيات، إلا أن التعامل مع أزمة كورونا شكل ويشكل تجربة فريدة في معظم أبعادها ومكوناتها وأطرافها حتى غدت قصة نجاح يشار لها بالبنان علاوة على ما لاقته من إشادة وإعجاب من الكثيرين في مختلف بقاع الأرض.. وقصة النجاح الأردنية هذه تستحق أن تدرس في أعرق الجامعات.. ونسأل الله أن تتكلل بكل ظفر ونجاح..
أزمة كورونا لفتت انتباه الإدارة الحكومية إلى جملة أمور ذات أولوية وتستحق منها كل رعاية واهتمام.. فأزمة كورونا سرعت من الاهتمام الحكومي بالتحول الرقمي والتعليم الإلكتروني والخدمات الإلكترونية بالإضافة إلى ضرورة الاستفادة الكاملة من قواعد البيانات وقدرات مختلف المؤسسات وضرورة وجود مداخل محددة ومضبوطة لمختلف المحافظات والمدن..
هذا بالإضافة إلى دعم صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية والصحية ودعم قطاع الخدمات العلاجية وتوحيد الخطط في مختلف القطاعات وعلى رأسها القطاع الصحي بخطة واحدة على مستوى الوطن لتشمل مختلف مؤسساتها من قطاع عام وخاص وجامعات..
أبرزت الأزمة ضرورة دعم مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية لاستعادة قوتها ونموها وبالتالي تعظيم مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي..
كما تؤشر على ضرورة تأسيس صندوق دائم له حساب بنكي اقترح أن يرصد له في الموازنة العامة ١٠٠ مليون دينار سنويًا بحيث يحول له هذا المبلغ من الخزينة حال إقرار مشروع قانون الموازنة العامة بداية العام ودفعة واحدة بالإضافة إلى استقطاب المنح والتبرعات تحسبًا لأي طارىء لا قدر الله.. وأن تستثمر أمواله في قطاعات مربحة ويسهل تسييل أصولها بسهولة عند الحاجة.. ومن الممكن أن يكون ذلك من خلال صندوق "همة وطن" بعد إضفاء صفة الاستمرارية عليه..
لابد من التركيز على ضرورة تحقيق اكتفاء ذاتي من السلع الأساسية للمواطن ولمختلف الأوقات تحسبها لأي طارئ قد يعزل الوطن لأي سبب من الأسباب عن العالم الخارجي لا قدر الله..
أكبر درس نتعلمه من التعامل مع أزمة كورونا هو تكريس الجهود وتعزيزها لتطوير المنتج الوطني الذي يشمل جميع القطاعات والمجالات وخصوصا عندما تتعلق التحديات أو الأزمات بالوطن ككل.. وبالتالي عند التخطيط نبدأ منه، وأقصد المنتج الوطني، وننتقل منه إلى إسهامات كل قطاع من القطاعات وضمان التنسيق فيما بينها ليكون الأداء والنتاج مكتملا ومتكاملا ومتجانسا..
بالنتيجة، بعد الانتهاء من الأزمة الحالية بعون الله لابد من صياغة نهج إدارة مختلف لإدارة الشأن العام وإحداث تحول في السلوك والعمل العام..
والأهم من ذلك أن يستمر هذا التناغم الرائع بين المؤسسات وهذه الروح المعنوية والإحساس الكبير بالمسؤولية لدى الجميع لرفعة هذا الوطن الجميل.. فقد أثبتت التجربة أن لا مستحيل مع الإرادة التي تصنع وتحقق ما عجزت وتعجز عنه
الدول العظمى رغم ما فيها من عقول وإمكانيات..
خلاصة القول، العالم وموازين القوى والتأثير وحسابات المصالح والعلاقات والتعاملات وأنماط التفكير والتخطيط والعمل وكل شيء بعد أزمة كورونا سيختلف كثيرا عنه قبلها.. فما عادت القوة لنفس النهج والأدوات.. ستبدأ مرحلة تختلف في ملامحها وتفاصيلها عما سبق.. ولا تعد بأي حال من الأحوال استكمالا أو استمرارا لما مر أو كان.. والسبق سيكون لمن يستشرف ملامح عناصر القوة في المستقبل ويقود العالم في ذلك الاتجاه..