إستراتيجية كورونا التحولية
الأنباط -
إستراتيجية كورونا التحولية
كورونا هي الشر الذي كان لا بد منه كنقطة تحول محوريه لنقل العالم من التطبيق الروتيني التقليدي البيروقراطي إلى عالم مُأتمت تكنولوجي محرر من البيروقراطية .
إنني أؤمن بأن العالم بكل عناصره لم يكن ليخرج من عنق الزجاجة ويركب عجلة المرحلة الجديدة التي ستكون ما بعد كورونا .
لم يكن العالم سيتبنى مخرجات التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها لولا ظهور كورونا فهاهي الجامعات والمدارس أصبحت تستخدم تطبيقات التعليم عن بعد التي تم ابتكارها قبل عقود من الزمن ولكن لم يكن هناك ضرورة أزمة تجعل من هذه التطبيقات أسلوب تعليم معتمد ونمط روتيني لمدارس وجامعات العصر الحديث.
كما أصبحنا نرى المحاكم في بعض الدول تعالج القضايا ومشاكل الناس وتقدم الخدمات عن بعد و من دون ضرورة حضور الأشخاص بشكل شخصي كما هو النمط القديم المعتاد المكلف للوقت والجهد والمال .
استراتيجة كورونا كسرت جبروت البيروقراطية لدى الكثير من الحكومات والدول واختصرت مسافات بالأميال في اتخاذ القرارات التي كانت تحتاج لأشهر وسنوات لاعتمادها وإقرارها ،فأصبحت تُصدر وتُعتمد بلمح البصر مختصرة كثير من الإجراءات البروتوكولية النمطية الهادرة للوقت ، فكما فعلت الحكومة الأمريكية عندما أعلنت أنها ستتخلى لأول مره عن بروتوكولات إجراءات قبول الأدوية وأعلن الرئيس ترامب عن دعوته لشركات الأدوية للبدء في تصنيع اللقاح واعداً إياهم بأن إدارة الدواء والغذاء ستختصر الزمن وتتجاهل الروتين المعتمد في إجراءات قبول الأدوية و ستجيب على عروضهم فور تقديمها على خلاف روتينها في الظروف الاعتيادية.
اعتقد أيضا أن كورونا ستكون الشرارة التي ستشعل النيران وتلتهم العملات الورقية المطبوعة المتداولة في العصر الحالي والنظام الاقتصادي القائم ، حيث أن هاجس خوف لمس العملات الورقية والنقود المعدنية واستخدام ماكينات الصراف الآلي لن ينتهي بعد انتهاء أزمة الوباء و سيبقى هذا الوسواس حتى يلغي عهد نقود الورق ويحل مكانه عهد العملات الرقمية المشفرة الذي يعتبر أكثر أماناً وخصوصية وأكثر مرونة وتواكبا مع العصر الحديث التكنولوجي المؤتمت وليد أزمة كورونا .
أما بالنسبة للحكومات العالمية ما بعد الكورونا فبإعتقادي إنها سوف تدخل في مرحلة النهضة أو الصحوة وتبدأ في تبني حلول التكنولوجيا الحديثة الراكدة منذ عقود وتطبيقها بشكلها الأشمل و الأوسع ، كما أنها ستبدأ بمراجعة كل إجراء من إجراءات عملياتها وممارساتها ، هل هو ضروري؟ أو هل هو قابل للتخطي والتجاوز؟ وبالتالي تسريع عملية اتخاذ القرارات وتطبيقها ومن ثم السرعة في جني نتائجها ومعالجتها وتعديلها فيما يتبع.
في طبيعة الحالة فإنني لا أعتقد أن الحكومات و الشركات والمؤتمرات والمجالس والفعاليات الرسمية والتجاريه والحكومية بجميع أشكالها سوف تُعقد بشكلها المعتاد من حضور الأشخاص شخصياً والسفر عبر القارات والدول كما جرت العادة ففي مرحلة ما بعد الكورونا أعتقد أنه سيكون هناك تبني فعلي وحقيقي وملموس للتفاعل الافتراضي عبر الإنترنت كما هو الحال الجاري خلال الأزمة .
و سوف لن يكون من السهل والمنطقي على الشركات والحكومات خطو خطوات للخلف بعد الإنتهاء من هذه الأزمة وإنما سيتم المضي في تفعيل تطبيق التكنولوجيا بشكلها المتألق والمتوسع خصوصا بعد أن تم كسر الحاجز في ظل الأزمة والضغط الناتج من تحدي وتهديد وباء كورونا.
ومن خلال تأملي للكثير من الاختراعات الرئيسة والحيوية في العالم عبر السنوات السابقة وجدت أن أغلبها كانت وليدة صراع الحياة أو الموت ونتجت في ظل تحديات الحرب العالمية الأولى والثانية وكانت تطبيق فعلي لمقولة (الحاجة أم الإختراع) .
كورونا برأيي أتت لتكون ظرف تحويل إجباري ينقل العالم إلى ظروف وفرص وتحديات مستقبلية جديدة حديثة لم نعتدها من قبل، آملةً بأن تكون المرحلة القادمة ذات فرص وايجابيات أرجح كفةً من تحدياتها وسلبياتها وأن تكون الخير الذي كرهناه كما قال جل وتعالى ( وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)