مشاريع اقتصادية أردنية بعد كورونا
أزمة كورونا شكلت مفصلا تأريخيا مهما، سيكون ما بعدها مختلف عما قبلها من حيث الخطط التي يجب أن تأخذها الدول في الحسبان للحفاظ على قدر مهم من التماسك الاقتصادي والغذائي في الأزمات المشابهة.
فيروس كورونا ضرب عرض الحائط الواقع الذي فرضته العولمة بعد أن جعلت العالم قرية صغيرة، ليصبح اليوم أشبه بالمفكك، بعد أن انكفأت كل دولة على نفسها وأغلقت حدودها خوفا من العدوانية الشرسة التي أظهرها الفيروس.
الدول إلى اليوم ربما تكون قادرة على إمداد مواطنيها بما تحتاج من سلع غذائية أساسية على الأقل، لكن السؤال الذي يجب أن يوضع على الطاولة مفاده؛ ماذا لو كان العالم أمام أزمة مماثلة لكنها طويلة الأمد؟، من أين سيوفر الغذاء والدواء لمواطنيه؟.
قد يكون العالم امام جائحة بيولوجية أو غير ذلك، تجبره على وقف حركة الشحن (الاستيراد والتصدير)، وهو ما يعني أن المعاناة ستكون كبيرة للدول غير المنتجة سواء على الصعيد الزراعي أو الصناعي، عندما تجد نفسها في عزلة تامة عاجزة عن توفير ما يسد رمق مواطنيها.
واقع مثل هذا ليس مستبعدا، وهو ما يستوجب علينا في الأردن أن نفكر مليا في الكيفية التي سنبني عليها اقتصادنا بعد انقضاء الأزمة، واستعدادا لأي طارئ من شأنه أن يجعلنا معزولين عن غيرنا.
ثمة مشاريع استراتيجية منها ما هو تقليدي يجب العودة إليها مثل الزراعة والانتاج الحيواني، وهي وإن كانت تشكل تحديا لنا على اعتبار ما نعانيه من نقص حاد في المياه.
إلا أن تنفيذ مشاريع مائية كبيرة بات أمرا ملحا كمشروع ناقل البحرين، الذي من شأنه أن يوفر الماء بعد التحلية وتهيئة مناطق في الصحراء لتكون زراعية إن أعيد النظر في تصميم وتخطيط المشروع والضغط لتنفيذه حتى لو اضطررنا للتجاوز على الاتفاقية الأممية المرتبطة بالدول المشاطئة.
تنفيذ مثل هذا المشروع حتى وإن استغرق سنوات عديدة سيكون له فائدة عظيمة أكثر بكثير من تلك التي سيوفرها مشروع مثل الباص السريع الذي لم يكتمل بعد رغم مرور أكثر من عشر سنوات على بدئه، كما أنه سيمكنا من تنفيذ مشاريع استراتيجية رديفة مثل توليد الكهرباء وبرك الأسماك وما إلى ذلك من مشاريع تعطينا قدرا من الأمان والنمو الاقتصادي.
أيضا، فإن المشاريع الاستراتيجية الوطنية مثل توليد الكهرباء من الطاقة النووية والصخر الزيتي تبرز أهميتها الضاغطة عند التفكير بأزمة مستقبلية قد تغلق العالم كما الحال مع كورونا، غير أن مثل هذه المشاريع لا يجب أن يتم حسابها بقوانين الربح والخسارة الآنية، بل يجب النظر إليها من زاوية ما تحققه من أمان واستقرار اقتصادي.
كما أن الصناعة الوطنية يجب أن تتطور، سواء ما ارتبط منها بالغذائية أو التحويلية أو الخدمية، لأن اقتصاد الدول لا يكون منيعا إلا إذا اعتمد على الصناعة، وهو ما يستوجب من الحكومة التفكير بشكل جريء بتحفيزه عبر امتيازات كبيرة تمكنه من المنافسة أو الوقوف على قدميه في حال المعاناة مع فتح أسواق خارجية.
من دون شك، الدولة التي تعتمد على استيراد نسبة كبيرة من غذائها ستكون أكثر الدول خسارة في حالة كان العالم أمام أزمة مماثلة لأزمة كورونا، بالتالي فإن المجال واسعا أمام الحكومة الأردنية للتفكير في المستقبل، والاستعداد لأي طارئ عالمي أو إقليمي قد يطول أمده.