الأجهزة الأمنية .. بين كلمة حق وكلمة يراد بها باطل (١)
اللواء المتقاعد مروان العمد
تم في الفترة الأخيرة نشر مجموعة من الفيديوهات على وسائل التواصل الإجتماعي تناولت الأجهزة الأمنية وقدمتها بصورة سلبية للغاية مع تعليقات تشير الى مدى الحقد الدفين الذي يعشش في قلوب الفئة التي نشرت هذه للفيديوهات والتي علقت عليها تعليقات سلبية على هذه الأجهزة .
وفي البداية كان الفيديو الذي تناول الحادثة التي حصلت مع مدير الامن العام المعين حديثاً اللواء الركن حسين الحواتمه ، والتعليقات التي هدفت لإخراج الحدث عن سياقه بواسطة هذا الفيديو الذي تم إعداده ومنتجته بهدف الإساءة الى عطوفته والى جهاز الأمن العام ، والذي سرعان ما تم تداوله والتعليق عليه من قبل بعض النفوس المريضة ذات الأهداف والمرامي التي لا تتضمن أي نوع من أنواع الموضوعية في الحديث عن اجهزتنا الأمنية ، بل هي دأبت دائما وأبدًا لمحاولة الإساءة اليها والتشكيك بها وإظهارها بمظهر سلبي . حيث تجاهل الفيديو ومن علق عليه ما سبقه من أحداث أدت إلى ما حصل في تلك الليلة . وكنت في حينها افكر بالكتابة عن هذه الحادثة والتعليق عليها ولكني فضلت الإنتظار لمعرفة تفاصيل ما حدث . وقد تبين فيما بعد ان احد الشباب كان يقود سيارته خلف سيارة عطوفته والتي كان يقودها بنفسه ومعه نجليه ومن غير أية حماية أمنية كما هي عادته ، ثم أخذ في مضايقتها .
مما جعله يخرج عن الطريق الرئيسي الى طريق فرعي ليجد ان السيارة التي كانت تتبعه وتلتصق به وتعرضه وسيارته ومن معه للخطر قد تجاوزته وتوقفت أمامه ونزل منها سائقها الشاب ، وفي نفس الوقت قدمت سيارة أخرى من الإتجاه المعاكس للسير في ذلك الشارع الفرعي ولتتوقف بمحاذاة سيارة عطوفته وبشكل يعيق حركتها . وعندها وكردة فعل من رجل عسكري عاش حياة المخاطرة وواجهها باستمرار مهما كانت الظروف فقد نزل من سيارته وكذلك نجلاه واللذان كانا يحمل كل واحد منهما قطعة سلاح مع بقائهما بالقرب من سيارة والدهم والذي ذهب بمفرده الي سيارة الشاب وطلب منه ان يستلقي على الأرض تمهيدًا للسيطرة عليه كما يتطلب الظرف . وهنا تدخل سائق السيارة التي قدمت من الاتجاه المعاكس والذي قيل انه من مرتبات الأمن العام والذي طلب من عطوفته وولديه مغادرة الموقع بالسرعة القصوى وبطريقة فظة تخلوا من الأسلوب العسكري بالتعامل مع الرتبة الأعلى ناهيك عن مدير الامن العام نفسه ، قائلًا لهما ان هناك من يصور المشهد . وقد وصل الامر الى حد قيامه بدفع عطوفة مدير الامن العام دفعاً نحو سيارته والذي يبدو ان نفسه كانت قد هدأت في هذه الأثناء ففضل ان يركب سيارته ويغادر المكان تاركاً الامر للجهات الشرطية لمتابعة الموضوع بعد ان كان قد اخبرهم قبل ذلك عن حالة مضايقة سيارته ومطاردتها من قبل إحدى السيارات وغادر المكان ، ليتم بعد ذلك بلحظات نشر فيديو بهذه الحادثة مرفقاً بالتعليقات التي تتهجم على عطوفته وتتهمه بأنه هو من تعرض للسائق الآخر والتهجم عليه وتهديده بالسلاح والتعرض لعشيرته الامر الذي لم يحصل إطلاقاً والطلب منه الانبطاح على الارض ، وتم التهجم على عطوفته بأقذع الألفاظ بهذه التعليقات والطلب منه تقديم استقالته من منصبه أو اقالته منه .
وانا وان كنت أفضل لو ان عطوفته حافظ على رباطة جأشه وتجنب السيارة الاخرى وسائقها وترك امر متابعتها لدوريات الامن العام ، وأن كنت أتمنى لو انه كان برفقته حماية أمنية مناسبة كونه اصبح على رأس جهاز امني هام تجعل منه هدفًا مرشحاً لكل من يريد السوء بهذا الوطن وزعزعة أمنه واستقراره . الا ان تحليلاً للفيديو المذاع والأحداث التي حصلت تحمل بين طياتها الكثير من الحقائق وكما تثير الكثير من علامات الإستفهام والإستغراب مما يوحي وبشكل مؤكد ان وراء الأكمة ما ورائها وذلك من خلال مايلي :
١ - لقد كان وقوف السيارة التي كانت تضايق سيارة عطوفته أمامها بعد ان كانت قد دفعتها للخروج من الشارع الرئيسي الى شارع فرعي تشير الى ان هذا كان هدف سائقها من ملاحقته ومضايقته على الطريق منذ البداية . كما ان حضور السيارة الأخرى من الاتجاه المعاكس الممنوع في هذا الشارع الفرعي ووقوفها بطريقه قد تدل على نية سائقها منع سيارة عطوفته من حرية الحركة وتثبيت وقوفها في هذا المكان وكأن الهدف كان هو وضع السيارة في منتصف مسرح الحادثة ( وقد يكون سائق هذه السيارة قد تعرف على سيارة مدير الأمن العام فعمل جهده لإخراجه من الموقع وحماية حياته ) .
٢ - أن نزول عطوفة مدير الأمن العام من سيارته واتجاهه نحو السيارة التي كانت تقف أمامه والطلب من سائقها النزول منها والإنبطاح على الأرض ( ولو انني كنت أتمنى ان لا يقوم هو شخصيا بذلك ) هو إجراء قانوني ، فمدير الامن العام هو وبصريح عبارة المادة التاسعة من قانون اصول المحاكمات الجزائية من أفراد الظابطة العدلية الموكول اليهم مساعدة المدعي العام للقيام بعمله . كما ان محاولة مدير الامن العام إلقاء القبض على هذا الشاب يتفق ايضاً مع نص المادة الخامسة والعشرين من قانون السير الأردني رقم ٤٩ لعام ٢٠٠٨ والتي نصت على انه لأي فرد من أفراد الامن العام أن يلقي القبض بدون مذكرة على سائق أي مركبة وحجز رخصته ورخصة السيارة التي يقودها وتصريحها اذا ارتكبت عدداً من المخالفات ذكرت في هذه المادة على سبيل الحصر ومن ضمنها قيادة مركبة بصورة متهورة واستعراضية على الطريق . وهو الامر الذي كان يفعله سائق السيارة الأخرى . وبهذا فأن الفعل من الناحية القانونية هو من صلاحيات مدير الامن العام وجميع أفراد مديرية الامن العام . اما ما لا يتفق مع القانون هو قيام ولديه بإشهار الأسلحة حتى ولو كان ذلك لحماية والدهما كونهما ليسا من افراد الظابطة العدلية .
٣ - اما طلبه من سائق السيارة الأخرى الانبطاح على الارض فهو من صلاحيات الامن العام بصفتهم من أفراد الظابطة العدلية في سبيل إلقاء القبض على المشبوهين او المطلوبين . وهذا امر معمول به بكل دول العالم تقريباً ، بل هو الإجراء الأكثر سلامة للقيام بمثل هذا العمل . والطلب من احد المشبوهين الإنبطاح على الارض حتى يتم تفتيشه ثم تقيده لا يعتبر مساساً بكرامة الأردنيين كما ذهبت بعض التعليقات للقول ان الشعب الاردني لا ينبطح على الأرض ولا يجب الطلب منه ان يقوم بذلك حتى لو كان مطلوباً او مسلحاً او مجرماً . في دول العالم وأكثرها ديمقراطية يعتبر رفض طلب رجال الظابطة العدلية من المطلوبين او المشبوهين القيام بما يطلب منهم سبباً كافياً لإستخدام أساليب اكثر قسوة معهم كصعقهم بالكهرباء او استعمال الغاز معهم . في أميركا مثلا وعندما يوقف رجل السير سائق سيارة ما فأن على سائقها ان يضع كلتا يديه على مقودها وان لا يحاول النزول منها الا اذا طلب منه رجل السير ذلك . وإذا لم يلتزم بهذا الأمر فأن هذا يعد سبباً كافياً لإطلاق النار عليه دون أية مسؤولية تلحق رجل السير او رجل الشرطة الذي فعل ذلك .
٤ - أما اهم ملاحظة في هذا الامر فهو شريط الفيديو الذي صور الحادثة من لحظة وقوف السيارات الثلاثة في الموقع ونزول مدير الامن العام وولديه من سيارتهم واتجاه مدير الامن العام نحو السيارة الأخرى وما حصل بينه وبين سائقها ، وما حصل بينه وبين الشخص الذي كان يقود السيارة الثالثة ولغاية مغادرته موقع الحادثة ، ووضوح الشريط يدل على ان التصوير لم يتم من خلال جهاز هاتف نقال او من خلال كاميرا تصوير عادية أوثابتة على عامود او باب محل تجاري ، بل من خلال كاميرا تصوير ذات مواصفات وإمكانيات تقنية عالية جداً نقلت الحدث بالصوت والصورة وبوضوح فائق مع استعمال خاصية الزوم ومتابعة تحركات الموجودين في المشهد وعن بعد مما يشير انه تم وضع هذه الكاميرا في ذلك المكان في وقت سابق وقبل قدوم السيارات الثلاث وان الأحداث الي حصلت قبل القيام بعملية التصوير كان الهدف منها استدراج سيارة مدير الامن العام الى منطقة تواجد هذه الكاميرا المميزة لتصوير المشهد بأكمله للعمل بعد ذلك على نشره بهدف الإساءة لعطوفة مدير الامن العام وللأمن العام بشكل عام من قبل جهة ما ، وأن هذا وراء السر في الانتشار السريع لهذا الشريط وعبارات الهجوم من ناشريه وبعض متداوليه وبعض المعلقين عليه في البداية قبل ان يتدارك الكثيرون أهداف هاذ الشريط ويقومون بالتصدي له والتعليقات التي رافقته .
وهذه الحادثة ورغم دلالاتها الواضحة فقد تبعتها أحداثًا أخرى الهدف منها للتعرض للأجهزة الأمنية والإساءة اليها وسأتعرض اليها في مقال قادم