ذاكرة الوجود

د. غيداء القلاب

حاول أن يتراجع ثلاثة أميال كما وعدها نحو الغياب، مضى بخطوات ثابتة مليئة بقشعريرة النسيان، ثم التفت وراءه فوجدها ما زالت عابقة بالوجود في مكانها، ما زالت تنتظره..

وسط أثلجة عمرها الغائبه ما زالت تنتظر دفء يديه ليختلس السكون ويصل نحو برودة روحها الظامئة للعشق ، ولكنه تردد بين المضي نحو المجهول وبين خفقان قلبه المرتعش نحو يديها والخائف من وراء ذلك.

ما زال تفكيره عشوائيا، ما زال يتخبط ألما ليغفو بين جنبات يديها، يتذكر لمعة عينيها في أول طريق لأصابعه الزمرديه بين يديها.

توقّف قليلا، حاول ان تغفو ذاكرته في أقرعة الروح لينام بدون ألم بدون وجع لكن نداء عينيها من بعيد ، كان اقوى من نداءاته الحالمه.

عاد أدراجه يحمل يأس عزيمته وأملا بلقائها فوجدها غائبة عن كرسيه الخشبي، غائبة عن ورقته الخريفيه، أوغل في البحث عنها، في الصراخ حتى المغيب ، فلم يعثر سوى على ثلوج يديها، على تين العمر ..

بدأت سماء عينيه تجود على صحارى وجنتيه حسرة على قطعهِ ذاكرة الوجود عنها..

بدأت نسائم اللاوعي تتخبط وتعصر أحزانه في بوتقة الحافة دون أي شعور ...

عادت أدراجها وكان هناك ما زال يلتقط لآلئ الامل ويصنع منها عقدا زمرديا لها..

رأى خطواتٍ من الاسفل وحدق للأعلى قليلا، نزلت للاسفل حتى صارت عيناها في عينيه، ويديه في يديها، ارتفعا قليلا نحو المقعد الخشبي، غفت في صدره وراحت تبكي ...

مسح دموعها بيديه، طبع قبلة على جبينها، واستسلمت عيناها للنوم في روحه وغابا هناك ...

ما يشغلني ... أتراه عاد للغياب أم أنه ما زال يلاعب أظفارها الذهبيه هناك ...