حتى لا نئد الصحف الورقية
حسين الجغبير
الصحف الورقية باتت على مفترق طرق أكثر وعورة وخطورة جراء الأوضاع الإقتصادية الصعبة التي تعيشها إثر تراجع إيرادها الذي تأثر بشكل كبير بانخفاض الإنفاق الإعلاني في السوق الأردني، وهي الحالة التي أصابت أيضاً كافة الصحف الورقية في جميع أنحاء العالم وترتب عليها أن تغلق بعض هذه المؤسسات أبوابها.
معظم المعلنين من شركات أوقفوا الإعلان بالصحف، وبعضهم خفض حجم المبالغ السنوية المخصصة لهذه المساحة بفعل التوجه نحو مواقع التواصل الاجتماعي لتكلفته المنخفضة، وبفعل الضغوطات المالية التي ألمت بهذه المؤسسات والأزمات التي تعيشها.
أن تغلق الصحف الورقية أبوابها ليس في مصلحة أحد، فدورها الوطني هام جداً وأدواتها الإعلامية ضرورة حتمية في ظل المتغيرات التي تطرأ على وسائل نقل المعلومة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعبث بها الفوضى بعد أن ظهر على الساحة ما يعرف بالمواطن الصحفي الذي بات ينقل المعلومات ويتناقلها دون النظر إلى دقتها أو مهنيتها، فتأثر بها المواطن، وغدت صفحات الأردنيين على الفيس بوك مرتعاً لاغتيال الشخصيات.
ولأن هذه الصحف هي خط الدفاع الأول في وجه آفة ما يتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، فعلى الدولة بكافة مكوناتها أن تعيد النظر في حساباتها تجاه هذه المؤسسات التي ما تزال تنال ثقة العديد من المواطنين، وذلك يكون عبر دعمها لضمان ديمومتها واستمراريتها لتأدية رسالتها بمهنية عالية المستوى.
كلفة التشغيل في الصحف عالية جداً، والضرائب تأتي على معظم مدخولاتها، وهذا كفيل بالإسراع في انتهاء عمرها ودفعها نحو إغلاق أبوابها وتشرّد مئات الأسر التي تعتاش منها.
لا بد من خطة وطنية تحتضنها الدولة من أجل إيجاد مخرج لهذه المؤسسات التي باتت نفقاتها أعلى من إيراداتها، حيث لا بد من لقاءات رسمية مع قادة الإعلام في الصحف من أجل الوقوف على ما تحتاجه هذه المؤسسات، مع التأكيد على أن للحكومة دور هام في ذلك عبر زيادة أسعار الإعلان الحكومي على سبيل المثال.
لقاءات لجنة التوجيه الوطني النيابية مع رؤساء تحرير الصحف ورؤساء مجالس إدارتها، للاستماع إلى وجهات نظرهم والوقوف على التحديات التي تواجههم في سبيل إيجاد الطرق المناسبة لتجاوزها، لكن هذه اللقاءات يجب أن لا ينتهي مفعولها بانتهاء انعقادها، حيث لا بد وأن تكون بداية للقاءات عصف ذهني عديدة بين كافة الأطراف والخروج بتوصيات تمهيداً لتنفيذها، أي يجب أن يكون إرادة حقيقية اتجاه تحقيق الغاية من هذه اللقاءات.
للأسف الحكومة الحالية ليست على دراية كافية بأهمية الصحف الورقية ودورها السامي، خصوصاً وأنها حكومة ترى أن صفحة على الفيس بوك أو تويتر أهم من أي اذاعة أو تلفزيون أو موقع او صحيفة، وهذا خطأ استراتيجي ترتكبه. وعليها أن تتحمل مسؤوليتها تجاه مصير الصحافة المهنية التي تتعامل مع المعلومة بدقة وعناية.
خسارة هذه الصحف خسارة وطنية كبرى، إذ نأمل من وزير الإعلام الجديد أن يكون صوت العقل في هذه المعادلة، كما نأمل من اللجنة النيابية أن تواصل جهودها لحين الوصول إلى حلول جذرية مشتركة بين كافة الأطراف.