العودة إلى حضن الدولة
بلال العبويني
تعود اليوم منطقتي الباقورة والغمر إلى حضن الدولة الأردنية بعد طول انتظار دام 25 عاما، وهو القرار التاريخ الأجرأ الذي يتخذه الأردن خلال العقد الأخير على الأقل.
كان الكثيرون غير متفائلين بعودة المنطقتين الأردنيتين إلى حضن الدولة، وكانوا لا يتصورون في مثل هذه الظروف السياسية التي يعيشها الإقليم أن يصدر قرارا ملكيا مركزيا بإنهاء تأجير المنطقتين ووقف العمل بالملحق المتعلق بهما في اتفاقية وادي عربة.
بل إن الكثيرين كانوا يشككون في أن يظل الأردن مصرا على وقف العمل بملحق الاتفاقية، مستندين في ذلك إلى أنه سيرضخ للضغوط الإسرائيلية والأمريكية، ومشيرين إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها الأردن وتراجع حجم المساعدات كثيرا.
لذا هناك من ربط بين تراجع الأردن عن قرار استعادة الباقورة والغمر وبين زيادة المساعدات الأمريكية وتدفق غيرها، من تلك التي انقطعت نهائيا.
اليوم، نحن أمام حقيقة لا مجال فيها للتشكيك؛ فالباقورة والغمر عادتا إلى حضن الدولة التي لم تلتفت إلى سيل التشكيك وما كان يقال عن الضغوط التي تمارس عليه من أجل تمديد العمل بالاتفاقية ولو لستة أشهر على الأقل.
يدرك الجميع اليوم أن العلاقة الأردنية مع دولة الاحتلال ليست كما كانت في السابق، ويلحظ المراقبون وغيرهم الندية التي تتعامل بها الدولة الأردنية مع الصلف والغطرسة الإسرائيلة المتواصلة، بل إن الأردن استطاع أن ينتزع مواقف إسرائيلية على غير ما كان معهودا في السابق.
وفي ذلك يمكن الإشارة إلى بعض القضايا المتعلقة بالمسجد الأقصى كقضية البوابات الإلكترونية وموقف الأردن أيضا من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس المحتلة عاصمة أبدية لدولة الاحتلال وهو الموقف الذي انحازت إليه 128 دولة في العالم في شبه اجماع عالمي غير مسبوق على قضية مرتبطة بفلسطين أو حتى بالشرق الأوسط.
الأردن، حجر زاوية أساس في المنطقة، ولعل سلوكه السياسي خلال السنوات الماضية من عدو المنطقة الأول (إسرائيل) جعله محورا مهما ونموذجا في الكيفية التي يجب أن تكون عليها العلاقة مع محتل متغطرس.
ولعل الموقف الأردني من قضية الأسيرين الأردنيين اللبدي ومرعي والإصرار على تحريرهما، فضلا عن موقفه من الأسير الإسرائيلي الذي اجتاز الحدود الأردنية ورفض المساومة عليه مقابل تمديد اتفاقية الغمر والباقورة أو تحرير الأسيرين مؤشرا مهما على ما نقول.
خلاصة القول، هو ما قاله الملك سابقا أن الأردن لن يقبل المساومة على حقوقه وكرامته حتى لو دفع له أموالا طائلة مقابل ذلك، ودليل ذلك ما ذكرناه سابقا.
اليوم، آن لنا أن نقيم الاحتفالات بما يليق بالحدث الأبرز خلال السنوات العشر الماضية في تاريخ الدولة الأردنية على الأقل، ولنا أن نستمع إلى كلام وطني يرفع الرأس عاليا بالمؤتمر الذي سيعقده وزير الخارجية أيمن الصفدي بالمنطقة المستعادة، ولنا من بعد ذلك أن ننظم المهرجانات الوطنية بالمنطقتين وأن ننظم الجولات السياحية إليهما ليستشعر الأردنيون جميعا عظمة الكرامة ومواقف الرجولة في الدفاع عن الحق والإصرار على عودة ابن أسير إلى حضن أمه بعد انتظار دام 25 عاما.