من العالم العربي إلى تشيلي.. تختلف الأسباب والاحتجاجات واحدة

الانباط - وكالات

أطلق التفاوت الحاد بين الفقراء والأغنياء في العديد من الدول موجة احتجاجات، لكن هذه الفجوة ليست السبب الوحيد الذي دفع الناس إلى الخروج إلى الشوارع، بحسب أحد الباحثين البارزين في مجال الافتقار إلى المساواة الاقتصادية.

ويقول برانكو ميلانوفيتش، الخبير الاقتصادي السابق بالبنك الدولي وصاحب الرسم التوضيحي "مخطط الفيل"، الذي يحدد الرابحين والخاسرين من العولمة، إن تزايد الفجوة في توزيع الثروات في أمريكا اللاتينية أدى إلى موجة احتجاجات شعبية عنيفة في تشيلي مؤخراً.

لكن الصورة مختلفة في الشرق الأوسط، الذي يشهد هو الآخر موجة احتجاجات واسعة، في ظل الافتقار لتحقيق نمو اقتصادي، حيث يتجه الغضب الشعبي نحو النظم السياسية التي تحصن النخبة الحاكمة ضد أي تغيير.

وأجبرت الاحتجاجات رئيس الحكومة في لبنان والرئيس الجزائري على الاستقالة، وأطاحت بالنظام في السودان، ووضعت حكومة العراق على شفا الانهيار.

ويقول ميلانوفيتش: "لا اعتقد أننا نستطيع وضع قصة شاملة بشأن عدم المساواة" باعتبارها تفسيراً لكل ما يشهده العالم من احتجاجات. ويرى، مؤلف كتاب "الرأسمالية فقط"، أن هناك أيضا "شعوراً بالإقصاء من أي مشاركة مهمة بعملية صناعة القرار. تشعر الشعوب بأن لا أحد يهتم بها، وممثلوهم السياسيون مشغولون بإثراء أنفسهم أو معنيون بقضايا العولمة".

واستهدفت الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في أمريكا اللاتينية، مثل تشيلي والإكوادور، الحكومات المؤيدة لاقتصاد السوق، والتي اتخذت إجراءات نجم عنها ارتفاع تكاليف المعيشة بالنسبة لأغلبية الشعب. وفي انتخابات الرئاسة الأخيرة، أسقط الناخبون في الأرجنتين الرئيس الذي طبق سياسات تقشف اقتصادي، وصوتوا لصالح المرشح اليساري الشعبوي على تعهد بتحقيق المزيد من المساواة الاقتصادية.

والتفاوت في الثروة بين دول الشرق الأوسط أشد حدة، حيث تضم هذه المنطقة مجموعة من أغنى دول العالم، ودول من أشدها فقرا. لذلك فعند النظر إلى المنطقة كلل، يتم تصنيفها بين الدول التي تعاني من أعلى درجات انعدام المساواة الاقتصادية.

ولكن عند النظر إلى كل دولة على حدة، فإن حدة التفاوت في الدخل أقل كثيرا مما هي عليه في أمريكا اللاتينية. فالحكومات العربية النفطية الغنية توزع جزءاً كبيراً من الإيرادات على مواطنيها.

ورغم أن الجزائر من الدول التي تحظى بدرجة جيدة من المساواة في توزيع الثروة، بحسب بيانات البنك الدولي، تتواصل المظاهرات فيها منذ بداية العام، واستهدفت في البداية الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، ثم اتجهت للمطالبة بتغيير النظام السياسي الخاضع لسيطرة العسكريين ورجال الأعمال وقادة الحزب الحاكم.

وفي أمريكا اللاتينية، يمكن للشعوب تغيير سياسات الحكم عبر صندوق الانتخابات، وحدث هذا كثيرا مع تعاقب اليسار واليمين على السلطة. لكن أنظمة الحكم بالشرق الأوسط تثير غضب شعوبها بسبب الديمقراطية الشكلية القائمة، بحسب ميلانوفيتش الذي قال إن الحكومات بالشرق الأوسط "تدعوكم للانتخابات، لكنها ليست معنية بتصويتكم".

ويقول: "أي رسم توضيحي يتضمن انعدام المساواة على أحد محوريه وكفاءة الحكومة على الآخر، سيكشف أن نقاط الاضطراب الحالية ترتبط دائما بالحكومات الأسوأ أداء. مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، ربما تصبح مشكلة عدم المساواة أكثر انتشارا".

وبحسب تحليل لوكالة "بلومبرج"، هناك نمط آخر من أنماط الحكم بالشرق الأوسط، وهو الموجود في لبنان والعراق، والذي ظهر بشكل أساسي نتيجة حرب أو صراع أهلي،. فقد تمت تسوية الصراعات بين الطوائف والمجموعات الدينية والعرقية من خلال منح كل طائفة، أو نخبة كل طائفة على الأقل، جزءا من كعكة السلطة. ويتهم المحتجون أعضائها بالسعي إلى إثراء أنفسهم، أو أنصارهم على حساب الشعب.

وهذه السياسية تشجع على الفساد لأنها تقوم على أساس تحالفات شبه دائمة، لا يمكن فضها دون المخاطر بتجدد الصراع الأهلي في البلاد، بحسب ميلانوفيتش. ويقول "الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها هذه النخب الفاسدة البقاء هي شرعنة النهب على أساس عرقي أو ديني".