انهيار مانشستر سيتي.. هل أصابت «لعنة غوتمان» غوارديولا مرة أخرى؟
لعنة غوتمان مستمرة
في عام 1962 قرر مدرب الجيل الذهبي لنادي بنفيكا البرتغالي، المجري بيلا غوتمان، ترك النادي بعد رفض الإدارة زيادة راتبه رغم فوزه بدوري أبطال أوروبا على حساب ريال مدريد 5-3 في المباراة النهائية. ليقول كلمته الأشهر:«بنفيكا لن يتوج بأي بطولة أوروبية لمدة 100 سنة مقبلة».
الغريب أنه منذ ذلك اليوم خسر كبير البرتغال 8 نهائيات أوروبية بالفعل، 5 في دوري أبطال أوروبا و3 في الدوري الأوروبي ما جعل مشجعي النادي يعتقدون حقاً بحلول لعنة غوتمان على النادي.
تأثير المجريّ، المحاط بهالة من الشعوذة واللعنات لم تتوقف فقط على الشق التكتيكي، بل كانت له أطروحات صالحة للغاية في علم النفس الرياضي، وتأثيره على نجاحات اللاعبين والفرق في عالم كرة القدم.
يتحدث الكاتب مارتي بيرارنو، مؤلف كتاب بيب غوارديولا الأخير «The Evolution» عن مدى ذكاء بيلا غوتمان ويصفه بأنه شخص سابق لعصره بكل المفاهيم، مستشهداً بحديثه عن السبب وراء قصر عقود المدربين وأسباب فشلهم وإقالتهم أو استقالتهم.
يقول بيرارانو عبر صفحات كتابه: «غوتمان رجل ملهم لمعظم مدربي هذا الوقت عن وعي أو لاوعي. إنه صاحب تصريح لا ينسى حول الموسم الثالث لأي مدرب في فريق واحد، بعد أن وصفه بالأكثر صعوبة وتعقيد، لدرجة أنه يصبح قاتلاً بالنسبة للبعض، خصوصاً مَن تسلط عليهم الأضواء دائماً، وبالتالي أفضل شيء ممكن للمدير الفني إجراء العقود قصيرة الأجل، وعدم البقاء مع فريق واحد لمدة تزيد على ثلاث سنوات».
يكمل مارتي شرحه لفكرة غوتمان: «في أول موسمين، يكون المدرب في كامل عطائه وتوهّجه، لكن في الموسم الثالث، يتحول الموضوع إلى ما يشبه الرتابة والتوقع، كل شيء سهل التنبؤ به، وحتى اللاعبين يقل عندهم الدافع تدريجياً، لذلك يجب على كل مدرب مضاعفة عمله في الموسم الثالث، وإلا سيكون مصيره الفشل».
مدربون مثل: زيدان، مورينيو، لويس إنريكي، وآخرين، عانوا بشدة بعد الموسم الثالث. هناك أسماء أخرى مثل غوارديولا وكلوب وغيرهما، لديهم الولع بالشق التكتيكي والابتكار الخططي، لذلك يمكنهم المقاومة لوقت أطول. مثل ما حدث مع بيب على سبيل المثال إبان حقبته مع برشلونة، والآن تتكرر ذات الأزمة رفقة مانشستر سيتي، حيث نجح الإسباني بشكل مبالغ فيه بالموسم الثالث، لكنه يواجه الآن مصاعب جمّة في موسمه الرابع، وكأن سيناريو الكامب نو يتكرر بالنص.
مان سيتي الحالي يذكرني ببرشلونة بيب 2012، من حيث كثرة الحلول، الإيجابية، التغييرات العديدة، والمرونة الخططية الغريبة، وبالتأكيد كونه مرشحاً فوق العادة للفوز بالدوري قبل انطلاقته. في 2012 كانت البدايات توحي بثلاثية سهلة ومنطقية للبلوغرانا، لكن الفريق خرج ببطولة الكأس فقط، لماذا؟
مرض أبيدال اللعين، إصابات بويول غير المتوقعة، وفقدان الدافع لبعض الأسماء مثل داني ألفيش وجيرارد بيكيه، وسيسك فابريغاس.
وإذا وضعنا الموسم الحالي للسيتي تحت المجهر، سنتمكن من رؤية العديد من التشابهات، إصابة ساني بقطع في الرباط الصليبي وانتهاء موسمه، قطع في غضروف لابورت الهلالي، واتهام لبرناردو بالعنصرية، مع غياب شبه دائم لميندي وإصابات دي بروين المتكررة، كل هذا جعل أداء الفريق مرتفعاً بشدة في مباريات، ومنخفضاً لأقصى درجة دون سابق إنذار في مباريات أخرى.
الإصابات ليست سبباً رئيسياً لكن عليناً ألا ننساه، بالإضافة إلى صعوبة تحفيز مجموعة من الشباب حققت حوالي 200 نقطة في آخر موسمين بالبريمرليغ، ما يعني حصولهم على نفس الرقم أو ما يقترب منه في الموسم الثالث أمراً أقرب للمستحيل. محلياً، فاز مانشستر سيتي بالدوري مرتين متتاليتين للمرة الأولى منذ 2009، مع حصوله على دوري الـ 100 نقطة لأول مرة في التاريخ، بالإضافة إلى تتويجه بخمس بطولات محلية في 2019.
كل ما سبق يعني أن الموسم الرابع لغوارديولا مع السيتي شبيه في بعض تفاصيله بما حدث له قبل رحيله عن البارسا، سواء في الإصابات الطويلة أو في صعوبة إيجاد الحافز لمواصلة الانتصارات «المحلية»، مع تنحية دوري الأبطال جانباً باعتبارها بطولة لها طابع مختلف، وتُلعب على تفاصيل صغيرة ومباريات قليلة.
قصور تكتيكيّ
التكتيك لا يجاوب عن كل الأشياء، لكنه على الأقل يُكمل الصورة الناقصة، لذلك عرضت شبكة «سكاي سبورتس» الإنجليزية تقريراً عن مشاكل مان سيتي الدفاعية هذا الموسم، ووصفتها بأنها ستكون السبب الرئيسي في خسارة اللقب محلياً.
عدة أمور يعاني منها السيتي خططياً، أولها بلا شك الأخطاء الدفاعية الكارثية من أوتاميندي الذي وجد نفسه أساسياً بعد إصابة لابورت ثم ستونز. إذ تخبرنا الإحصائيات بأن معدل الأهداف المتوقع أن تستقبلها شباك «السيتيزنس» في المباراة الواحدة هو 1.25 هدف، بينما كان المعدل حوالي 0.5 هدف في المباراة الواحدة في آخر موسمين.
وفقاً لشبكة «أوبتا»، استقبل السيتي هدف واحد من هجمة مرتدة خلال 59 مباراة محلية. رقم يدل على ذكاء الفريق في التعامل مع التحولات الدفاعية، لكنه استقبل هدفين بنفس الطريقة خلال 10 دقائق في مباراة وولفرهامبتون عن طريق جملة تكتيكية تكررت مراراً في المباراة، ما يعني وجود خلل حقيقي في منطقة الارتكاز والأطراف الخلفية.
الوافد الجديد رودري لا يدافع مثل فرناندينيو، ولا يملك بعد الخبرة التي تساعده على قنص الكرة الثانية وارتكاب الأخطاء التكتيكية التي تعطل هجمات الخصوم، ولا يقوم بغلق زوايا التمرير على المنافسين بشكل جيد. كذلك فقد دفاع السيتي ميزة السرعة في ظل تواجد ثنائي عجوز أمام مرماهما، دون نسيان قلة الضغط الذي يقدمه محرز مقارنة مع مجهود ساني الوفير، بالإضافة إلى كبر سن أمثال أغويرو ودافيد سيلفا، ما يجعلهم أقل حدة في الالتحامات الثنائية وأقل فعالية في عملية افتكاك الكرة سريعاً، أضف إلى ذلك بطء النسق غندوغان.
«لم تكن أخطاء قلبي الدفاع هي السبب في الهزيمة. لقد فقدنا كرات عديدة في الهجوم، ولم نبنِ الهجمات بشكل مثالي، مع تمريرات كثيرة مقطوعة. لقد كلفتنا هذه الأخطاء الكثير».
بهذه الكلمات شرح غوارديولا سر سقوط فريقه أمام الذئاب، وكأنه يؤكد أن الهجوم والدفاع لا ينفصلان أبداً، لذلك مع عدم قدرة السيتي على فتح الملعب عرضياً وإيجاد اللاعب الذي يتحرك في العمق مثل دي بروين، ليعتمد بطل الدوري على إرسال العرضيات فقط. أكثر من 29 كرة عرضية أرسلت أمام وولفرهامبتون، وأكثر منهم ضد نوريتش سيتي. وخسر مانشستر سيتي كلا المباراتين.
لقد صار كل شيء نسخة من نسخة من نسخة، هجوم الفريق صار متوقعاً بشدة، وعاد بالسلب على الوسط البطيء في التمرير، ليؤثر كل هذا الخلل على الدفاع في النهاية.