كَسَّرَ فِنجَانَ قَهوَتِي

 

آسيا أحمد أبوطوق

زَائِرٌ مُتَطَفِّلٌ زَارَنِي, كَسَّرَ فِنجَانَ قَهوَتِي, وَرَسَّمَ عَلَى الجِدَارِ بِقَلَمِ حُمرَتِي, وَرَشَ بَقَايَا عِطرِي , ثُمَّ اقترب مني إلى أن أَمَسَّكَ بِعُقدِ رَقَبتِي فَقَطَّعَهُ وَأَوجَعَنِي. فَتَنَاثَرَت حَبَّاتُ اللُّؤلُؤِ فِي كُلِّ مَكَانٍ, يَرِنُّ صَوتُهَا بِأُذنِي كَأَنَّ زُجَاجًا يَرتَطِمُ بِالْأرضِ فَيَنكَسِرُ مَرَّةً تَلَوَ الْأُخرَى, لَا يَعقِلُ أَنَّ عينيي تذرِفَان المَاءَ لِوَحدِهَا مِن أَينَ لَهَا بِهِ ؟, وَأَنَّ العَرَقَ يَنسَابُ مَن رَأْسِي إِلَى الْأَسفَلِ , أَشَعرُ بِهِ. بَدَأَت للِتَوِّ بإدراك ماحدث, كَانَت ضَربَةً فجائية صَدمَت رَأْسِي بِجِدَارِ بَيتِي فأودت إِلَى دَمٍ غَزِير يَتَصَبَّبُ مِنْ رَأْسِي , وَيُغْرِقُنِي . بَدَأَت أُنَاجِي مِن حَولِي , وَلَكِنَّ أَيعَقِّلُ أَنَّ صُرَّاخَ الْقَلبِ يُسَمَّع !, وَأَنَّ ذَاكَ الْجُرحَ يُرَى!

لَا تُصَدِّقُوا أفوَاهَ النَّاطِقِينَ الْمُحتَرِفِينَ الَّذِينَ يَعرفُونَ الكَلَاَمَ وَيَهجُرونَ الْأَفعَالَ, وَلَا قَلُوبَ المَغلُوبِينَ المُنكَسِرِينَ الَّذِينَ تَقرَبُوا مِنكَ لِيَنشَغِلُوا عَن أَلَم جِرَاحِهِم, فَسُرعَانَ مَا تَلتَئِمُ جَرَّاحُهُم وَيُحَلِّقُونَ, وَلَا تَفتَحُوا البَابَ أَمَامَ ضَيفٍ مُلَثِّم, نَسِيَ مَنطِقَهُ وَضَمِيرَهُ بِصُندُوقٍ مُقفَل فِي أحَدِ زَوَايَا بَيتِهِ , وَلَا ذَاكَ الَّذِي بَاتَ اليَأْسُ مِن وَجهِهِ فَقرًا , فأكرمتموه اهتماما وَعَطفًا وَحُبًّا , ثُمَّ ابتهجت رَوحُهُ وَنَسِيَّ يَأْسَهُ إِلَى أَنَّ فَاضَ غُرُورَهُ وَظَنِّكُم الغُرَبَاءَ ضُيُوفَهُ ؛ حَتَّى لَا تَنكَسِرَ قُلُوبُكُم الطَّيِّبَةَ, وَتُهَزَّمَ أَروَاحُكُمِ البَرِيئة, وَتَنسَابُ دُموعُكُم الثَّمينَة, وَتَنسَحِقُ مَشَاعِرُكُم النَّفِيسَة , فَلَن يَشْعُرَ بِهَا أحَدٌ سِوَى أَنتَ, فَحرص عَلَى حِمَايَتِهَا.

وهل للعابرين أَنَّ يتخذوا طَرِيقًا غَيرَ طريقي، فَإِنَّ قلبي يَتَشَبَّثُ بالغريب ، وإني على حافة الطريق فَإِنَّ سَقَطتُ فذاك العابر قد اختفى من طريقي ،

فإنه يأبى أن يكون قريبي , و يأبى منزلًا قد سَكَّنَتهُ روحي

فروحهم ليست معهم , وقد تركوها و أتوني .