تخمة في الكهرباء
د. أيّوب أبو ديّة
انتقل الأردن من دولة قدراتها محدودة إلى دولة تعاني من تخمة في القدرة على توليد الكهرباء، وقد كنا قد حذرنا من ذلك قبل بضعة أعوام في دراسة نشرتها مؤسسة فريدريش ايبرت Fredrich Ebert Stiftungعامي 2014/2015 بكتاب في طبعتين عربية وإنجليزية حذرنا فيها من الوصول إلى هذا الحال، وخاصة في ضوء عزيمة الحكومة آنذاك على إدخال الكهرباء النووية أيضاً في تصريحات تباينت بداية الإنتاج بين 2015 إلى 2025، فتخيلوا حجم الكارثة اليوم لو كان هذا الوعد النووي قد تحقق فعلاً وأنتج كهرباء تضيف إلى فائضنا الحالي أضعافاً مضاعفة؟
كانت وزارة الطاقة واضحة عندما صرحت بأن المشروع النووي معلق إلى عام 2030 على الأقل، وهذا جيد ولكن المطلوب هو أن تعود هيئة الطاقة الذرية لتصبح مديرية في وزارة الطاقة لتشرف عليها مباشرة كما كانت فيما مضى عندما كان مديرها الدكتور علي المر. أما تصريح وزارة الطاقة بأنها سوف تعاود مفاوضة منتجي الكهرباء من الطاقة المتجددة والصخر الزيتي فهذا أسلوب لا نفع فيه لأنه طارد للاستثمار ويؤدي إلى فقدان الثقة بالحكومة، فما البديل؟
نعود إلى فكرة الكتاب الذي نشرته مؤسسة فريدريش إيبرت في عمّان عامي 2014/2015 عنوانه: "من فوضى الطاقة إلى إدارتها" "From Energy Mess to Energy Management" وفيه ملامح لخطط إدارة أزمة الطاقة سوف نذكر بعضها ونضيف عليها لتغطية المستجدات.
لسنا بحاجة إلى خبراء من هارفرد لنصحنا حول ما الذي ينبغي علينا أن نفعله، فإذا كانت تراودهم أفكارٌ حول توقيف مشاريع الطاقة الشمسية والصخر الزيتي فلماذا لا يقومون بتوصية رئيس بلادهم بالتحول عن مشاريع الفحم الحجري التي بلغت مساهمتها في عام 2018 نحو 30% من توليد الكهرباء في الولايات المتحدة فيما ارتفعت نسبة مشاركة الغاز الطبيعي إلى 35% عبرFracking الشديد التلويث بالبيئة، أليس من الأولى لهم التحول إلى الطاقة المتجددة الأقل تكلفة والأكثر استدامة والأعظم رفقاً بالبيئة كما فعلت أوروبا؟ أليس السبب هو حجم العمالة في هذا القطاع (وأعداد الناخبين) حيث يوجد أكثر من ثلث مليون وظيفة في تعدين الفحم ونقله وإنتاج الكهرباء والتسويق ... إلخ؟ لذلك نقول أليس من الأجدى أن يتم النظر في أعداد الوظائف التي خلقتها صناعة الطاقة المتجددة والصخر الزيتي وإعطاء الأولوية لها على الغاز المستورد الذي لا يخلق وظائف جديدة ولا يحقق استدامة أو استقلالية في القرار، وبخاصة إذا كان مسروقاً من الأرض الفلسطينية؟
لذا، فمن الأولى أن تتحدث الحكومة عن مضاعفة إنتاج الصخر الزيتي لأن البنية التحتية قد اكتملت بعد استثمار نحو ملياري دولار وأي زيادة في الإنتاج سوف تخفض من تكلفة الشراء. فإذا فاوضت الحكومة أصحاب مشاريع الصخر الزيتي، مثلاً، لتعرض عليهم زيادة في القدرة على الإنتاج عام 2022 مثلا، فأنا متيقن أن سعر الكيلواط ساعة سوف ينخفض إلى ما دون خمسة قروش في حين أن التكلفة على الحكومة حاليا تزيد عن ثمانية قروش. إذاً، بانخفاض السعر يزيد الطلب على الكهرباء في المنازل والمصانع والزراعة والخدمات والمؤسسات التجارية والحكومية والمدارس والجامعات، وهكذا يتم تنشيط الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل جديدة، وترتفع قليلا حصة استهلاك الفرد المخزية من الكهرباء المتوافرة على المواقع العالمية (الإمارات 18213 كيلواط. ساعة في عام 2017 مقابل 1574 كيلواط. ساعة في الأردن لنفس العام).
وبانخفاض أسعار الكهرباء تصبح تحلية مياه البحر الأحمر مجزية اقتصادياً، فما المانع أن تستخدم الحكومة الكهرباء الفائضة في تحلية المياه في العقبة، وأن تبحث عن أسواق لها في السنوات القادمة، فالأزمة مؤقتة لن تتجاوز ثلاث سنوات لأن بعض محطات توليد الكهرباء سوف يخرج من الخدمة قريباً كمحطتي توليد الكهرباء في العقبة ورحاب بقدرة تزيد عن ألف ميجاواط بين الأعوام 2019 - 2021.
ختاماً نقول إن الاستثمار في مصادر الطاقة الوطنية واجب وطني كالتوسعة في إنتاج الغاز الوطني والتوسع في إنتاج الطاقة المتجددة والصخر الزيتي لأن التوسع فيها يزيد من استقلالية القرار السياسي الأردني ويزيد من فرص العمل ويجذب مزيداً من الاستثمار ويخفض تكلفة الكهرباء ويشجع بالتالي الأهالي والصناعات والتجار وغيرهم، بل وبعض دول الجوار، على استهلاك أكبر من الكهرباء لإدارة مشكلة التخمة التي تعاني منها البلاد اليوم.