وداعاّ دكتور سائد دبابنة
بقلم الدكتور أيّوب أبو ديّة
نشر الدكتور سائد دبابنة أستاذ الفيزياء النووية ونائب رئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم العمل الإشعاعي والنووي الأسبق وبتاريخ 29 آب 2009، مقالة بعنوان "تعدين اليورانيوم في المملكة الأردنية الهاشمية" أي أنه نشرها قبل عشر سنوات من وفاته بالتمام والكمال حيث نشر حقائق حول تعدين اليورانيوم، إذ قال، باختصار، ما يلي:
" الأهم من ذلك هو ما ورد في ملاحق الاتفاقية حول هدف الدخول في دراسة الجدوى الاقتصادية، والذي يتطلب حسب النص وجود أكثر من 20 ألف طن من معدن اليورانيوم بتراكيز حد قطع 250 جزء بالمليون. إذ يتم باستمرار إغفال هذا الشرط الملزم وبالتالي اعتماد حد قطع منخفض مخالف للاتفاقية (45 جزء بالمليون) وذلك لرفع الكميات بشكل غير واقعي إلى 12 ألف طن، ومقارنتها مع العشرين ألف طن المطلوبة حسب الاتفاقية. إن هذه المقارنة مغلوطة وغير منسجمة وبعيدة جداً عن الواقع. الأدهى هو ذكر احتياطي يورانيوم يتجاوز تلك الأرقام، مثل ذكر 108 آلاف طن، إن ذلك لا يكون إلا باعتماد تراكيز متناهية الصغر تصل إلى حدود 1 جزء بالمليون، وهذا غير معقول إطلاقاً، لا اقتصادياً ولا بيئياً ولا مائياً. إن المعلومات المتوفرة لدى تقول بأنه إذا تم الالتزام بالحد الواقعي وهو 250 جزء بالمليون، وحسب الاتفاقية والقانون، فإن ذلك يعني أن ما هو متوفر من معدن اليورانيوم في وسط المملكة كمية صغيرة جداً مقارنة بالأرقام المعلنة. لذلك فإن تعدين الكميات الضئيلة غير وارد كونه أقل بكثير من العشرين ألف طن اللازمة للدخول في دراسة الجدوى. لقد كان مأمولاً حسب ما هو معلن وبشكل مستمر أن يسهم استخراج اليورانيوم وتسويقه في دعم خزينة الدولة في وقت قريب، وفي المساهمة في تمويل إنشاء بالمحطات النووية ".
رحلت يا سائد ولم يحققوا شيئاً بعد سنوات عشر عجاف ولم يصدّروا اليورانيوم عام 2012 كما وعدوا ولم يرفدوا الخزينة بشيء كما ادعوا بل استنزفوا الخزينة ولم يحاسبهم أحد!
أما فيما يتعلق بالمفاعلات النووية فكتبت تقول:
" إن من ضمن ما تتطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية من هذه الدول، ومنها الأردن بالتأكيد، وتحديداً قبل طرح عطاء بناء أو محطة نووية، أن تكون الدولة قد وفرت واستوفت قائمة طويلة من لبنات البنية التحتية الهامة والأساسية، والتي لا يتسع المجال هنا لتفصيلها، ومنها مثلاً لا حصراً وجود خطة مؤكدة لتوفير المخصصات المالية ليس فقط لبناء المفاعل بل كذلك لتفكيكه مستقبلاً بعد انتهاء عمره التشغيلي وإعادة تأهيل الموقع وعدم ترك ذلك العبء الثقيل للأجيال القادمة. ناهيك عن تأهيل الكوادر البشرية، كما ونوعاً، وبشفافية ونزاهة عالية بعيداً عن ما هو للأسف دارج في مجتمعنا، لأن أي تجاوز في اختيار نوعية الأشخاص يعني زيادة احتمالية وقوع الأخطاء التشغيلية مستقبلاً، لذلك فهذا ليس فقط من أبجديات تطوير القوى البشرية بل من أسس الأمان النووي على حد سواء. ناهيك عن المتطلبات الأخرى الهامة المرتبطة بالوقود الجديد والمستهلك، وبحماية البيئة وخطط الطوارئ وتأمين القبول المجتمعي. وأخيراً وليس أخراً أن لا يتم استدراج العروض أو طرح العطاءات قبل الاختيار النهائي للموقع الذي سيقام عليه المفاعل".
ويستشهد الدكتور سائد بتعليق للبرفيسور ستيف ثوماس من جامعة جرينتش في لندن قوله: "إن دولة الأردن ليس لديها خبرة نووية سابقة، فإن طلب شراء مفاعل ذي تصميم غير مجرب كونه الأول من نوعه "ينطوي على مخاطر هائلة".
ونحن الآن بعد سنوات عشر من تحذيراتك وما زلنا على حالنا يا صديقي فمشروع تعدين اليورانيوم لم يخطُ خطوة واحدة إلى الأمام ومشروع المفاعلات الكبيرة قد استبدل بمفاعلات صغيرة، لكن، وفي ضوء حقيقة أن قدرة إنتاج الكهرباء سوف تزيد في عام 2021 عن ضعف حاجتنا للكهرباء في الأردن، فلن نحتاج إلى أي دعم من مشاريع نووية لإنتاج الكهرباء بل سوف تصبح عبئاً علينا لعدم إمكانية تسويقها، وربما لن نكتشف ذلك إلا بعد عشر سنوات أخرى ننفق خلالها مئات الملايين من الدنانير عبثاً.
سوف تبقى كتاباتك يا صديقي كي نسترشد بها وتظل انجازاتك مصدر فخر واعتزاز لعائلتك الكريمة وسوف نظل نتذكر إصرارك على قول كلمة الحق في جلسات مجلس النواب وفي الصحف وعبر وسائل الاعلام الاخرى، وعلى شجاعتك عند استقالتك من هيئة تنظيم العمل الاشعاعي والنووي عندما لاحظت أن الأمور باتت تغرق في فوضى إدارية وقرارات شخصية، فآثرت الدرب الأصعب وكشفت المستور وحذرت من العواقب الوخيمة لهدر الأموال وسوء الإدارة في هيئة الطاقة الذرية التي بدأ الأردن يحصد بعض ثمارها الأليمة في السنوات الأخيرة.