( نص حُرم من التدقيق )

 

 دوجانه زياد الحصان

كُنت قد هجرتُ الكتابة منذُ زمن .. أذكرُ أن المرة الأخيرة التي تشبثت يدي بالقلم كانت منذ عام..

ولقد وعدتك مراراً أن أعرض عليك شيئاً مما أكتب.. أخبرتك عن النصوص التي أكتبها من حين إلى آخر..

ولقد وددتُ لو تصحح لي شيئاً منها ..

أن تتصيد لي أخطائي اللغوية إن وجِدت.. هكذا كُنت أمازحك.. أتذكر!

لم أقدم لك شيئاً من هذه النصوص.. أنت تعلم على أي حال انني بطيئة في أغلب المهام .. أُسوف الأمور.. أقوم بتأجيل المواعيد.. أتباطأ في الانجاز ..وأنت كُنت أسرع في الرحيل..

لقد أخبرتني ذات مرة في مكان حلو المذاق جمعنا أنا وأنت وعمو أبو أحمد زميلنا في العمل وجار مقعدك الدنيوي الأخير ..

أخبرتنا وأنت تتناول الكنافة التي أحببتها ، أنك أفنيت سنوات العمر في عملك ولا مانع لديك أن تُفني ما تبقى وأنت تعمل فيه .. إنك تحب عملك على أي حال !

أنت تعمل لتعيش لا لتعتاش ..

تباً ..من منا يحب عمله !!

أنت تفعل .. أنت تعمل و تستمتع ..

العمل عبادة وانت كنت الناسك المتزهد نظيف السيرة طاهر اليدين ..

أتذكر كل تلك الضحكات التي دوت في صدى صالة العمل .. كانت بسببك .. كنت خفيف الظل ، لم تتثاقل الارض يوماً من وطأة قدمك ..تحب رؤيتنا فتلقي النكات لترسم من الابتسامات على شفاهنا ولكننا لم نكتفِ بابتسامة .. فنضحك

أذنت ضحكتي الرنانة مرات عديدة في المكتب من النكات التي كنت تلقيها .. وكنت أخجل من علو صوتها..

أخبرتك مرة أن صوت ضحكتي يتسبب بالاحراج لي وتوسلت لك ضاحكة أن تكُف عن سرد القصص الطريفة..

إبتسمت إبتسامة الرضى وقلت لي وأنت تُشعل السيجارة .. إضحكي يا عمي شو ماخذين منها !!

لم تأخذ منها شيئاً يا عمي .. لكنك حين رحلت أخذت منا الكثير .. وأعطيتنا الأكثر..

ذات مرة بعد غياب أتيت إلينا .. لم أعتد أن أُخفي مشاعري إتجاه شخص أحبه وأنت في مقام والدي..

رأيتك وقلت لك : «إشتقتلك لك عمو حبيبي» فخجلت وقلت ليالله يرضى عليكِ ووضعت يديك على صدرك بهدوء وربت عليه قليلاً وعيناك تتحركان بلطف نحو الأسفل..

كانت تشبه الى حد بعيد تلك الطريقة التي يعبر فيها والدي عن رضاه عني..

علمت حينها أنكما متشابهان..

لحظة وكأنها عام حين علمتُ برحيلك .. انتفضت ، وصحت لا يمكن ذلك لقد إستعجلت كثيراً.. كنا سنزورك اليوم التالي .. نظر لي عمو أبو أحمد وقال مؤكداً الحقيقة التي أنكرتها ..الله يرحمك يا حبيبي يابو محمد..الله يرحمك يا نظمي أبو بكر..

حدقت بسرعة الى مقعدك الفارغ المهجور وعدت مرة ثانية ونظرت لأبو أحمد .. كنت أكذب الحقيقة وأصدق تلك الأكاذيب التي رسمتها بأقل من لحظة في خيالي .. ثم ماذا ... أجهشت بالبكاء .. سمعت صوت بكاء أبو أحمد لأول مرة لكني لم أره.. لقد وضعت يدي على عيوني أخفي الدموع لكني لم أستطع إخفاء صوتي مثله تماماً .. كان صوتانا متناغمين يبكيانك ويرثيانك في جريدة الأنباط..

في كل مرة يفقد فينا أحد عزيز على قلبه يأتي ويقول لنا أحدهم .. البكاء لا ينفع إدعولو أحسن..

قيلت لي منذ رحلت عشرات المرات ( لاتبكي إدعيله أحسن) .. وحتى هذه المرة وأنا أكتب هذا النص!

أنا أتمرد على أي نصيحة من هذا القبيل ..

لماذا يمنعنا البعض أن نبكي .. لماذا يحولون بيننا وبين استمطار الدموع.. الحزن لم يُخلق عبثاً .. أريد أن أبكي عندالفراق.. وعند الشوق ..وعندما يسطر الحنين خيباته على قلبي..

وعندما أعجز ويقهرني موت عزيز وغالٍ..

وعندما أتذكر كل ما قلته لنا وكل تلك النظرات الحنونه والعطوفة.. أريد أن تتساقط دموعي كما أراد الله لها أن تفعل .. لن أخجل من حبسها كما لن أخجل خوفاً من أن أفهم بالخطأ إن قلت لاحدهم أحبك !!

كيف لا أبكيك ومِثلُك يُبكى ..

يا صاحب اليد النظيفة والقلب الطيب ..

أخبروا من تحبون أنكم تحبونهم .. لا تخجلوا من إظهار حبكم .. وإبكوا إن إستطعتم إلى البكاء سبيلاً..

إبكوا على من فارقتم وإرثوا كل عزيز رحل عنكم ..

الحياة كما الموت مرة واحدة ..

الدموع تنصف الموتى والبكاء يريح القلب..

وما دون ذلك والله كذب وإفتراء .. لا تحبسو الدموع إستمطروها فهي ليست ضعف .. والمحبه لم تتغلف بخجل هي رزق من الله وطهارة..

لقد أتممت أربعين يوماً لم تغب فيها عنا .. مكانك كما هو .. كرسيك لا يزال موجوداً ونكاتك لا زالت تُروى بيننا ..

كنت نِعم الزميل والرفيق والاب الحنون رحمك الله رحمة واسعة.. هذا نصي سأبقي على جميع اخطاءه ..ومتأكده بأنك ستكون سعيداً لوجودها هذه المرة

dndon.jordan@gmail.com