باب الرحمة... معلم ديني يتحدى أطماع الاحتلال وتزوير تاريخه

مساع لتحويله لكنيس يهودي

 القدس المحتلة - وكالات

منذ سنوات طويلة والصراع "الإسرائيلي" يحتدم على هوية الجزء الشرقي للمسجد الأقصى، والذي يهدف الاحتلال من خلاله إلى تقسيمه مكانيًا، عبر الاستيلاء على باب الرحمة، وصولًا للسيطرة الكاملة على المسجد، وفرض الرواية التوراتية.

لم تكن الأحداث التي شهدها "الأقصى"، عقب إعادة فتح مصلى باب الرحمة في شباط الماضي، وما تخللها من عمليات ملاحقة واعتقال للمقدسيين وموظفي دائرة الأوقاف الإسلامية، وإزالة للقواطع الخشبية والخزائن، سوى مقدمة لخطوة تصعيدية خطيرة تهدف للسيطرة على المنطقة وإحداث تغييرات جوهرية فيها، تمهيدًا لبناء كنيس يهودي.

ويعتبر باب الرحمة من أقدم وأشهر الأبواب في السور الشرقي للأقصى، ويتمتع بمكانة دينية وتاريخية عظيمة، وهو مكون من بوابتين ضخمتين، هما الرحمة جنوبًا والتوبة شمالًا.

وسُمى هذا الباب لدى الأجانب بـ"الذهبي" لرونقه وبهائه، ويقع على بعد 200 متر جنوبي باب الأسباط، ويعود بنائه إلى العصر الأموي بدلالة عناصره المعمارية والفنية، وهو مزدوج يعلوه قوسان ويؤدي إلى باحة مسقوفة بعقود ترتكز على أقواس قائمة فوق أعمدة ضخمة.

عام 2003، أغلقت شرطة الاحتلال مبنى باب الرحمة، حيث كان مقرًا للجنة التراث الإسلامي، واعتبرته أنه يستخدم لنشاطات سياسية، وفي 2017، أصدرت محكمة الاحتلال قرارًا قضائيًا يقضي بإغلاق المبنى إلى إشعار آخر، بموجب "قانون مكافحة الإرهاب".

لكن في شباط الماضي، وبعد 16 عامًا من الإغلاق، تمكن المقدسيون من إعادة فتح مصلي الرحمة وأداء الصلاة فيه، ومنذ ذلك الوقت يواصل الاحتلال استهدافه وتدنيسه للمصلى.

رئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث الشيخ ناجح بكيرات يقول، الأطماع الدينية اليهودية في باب الرحمة بدأت منذ احتلال القدس عام 1967، ولا تزال مستمرة، حيث شهدت المنطقة الكثير من الانتهاكات والاعتداءات الممنهجة.

ويضيف الاحتلال منع تبليط المكان وإعادة إعماره وتنظيفه حتى أضحت المنطقة شبة مهملة، بالإضافة إلى التضييق على المقدسيين، وملاحقتهم واعتقالهم ومنعهم من الدفن في مقبرة باب الرحمة، ناهيك عن السماح للمتطرفين اليهود بأداء طقوسهم بالمنطقة.

ويسعى الاحتلال إلى إخراج باب الرحمة، الذي يعتبر جزءًا لا يتجزأ من الأقصى، من سيطرة دائرة الأوقاف، للاستيلاء على المنطقة الشرقية للمسجد وصولًا لتحقيق هدفها الاستراتيجي ألا وهو مشروع إقامة "الهيكل" المزعوم.

ويؤكد بكيرات أن هناك استهدافًا حقيقيًا لباب الرحمة، وأن "إسرائيل" تعدت الخطوط الحمراء وتعدت على الوضع الديني والتاريخي والقانوني القائم منذ 1967 للأقصى.

ويشير إلى أن شرطة الاحتلال تقوم بحماية الراوية التوراتية التلمودية، وإزالة الرواية العربية الإسلامية وأحقيتنا بالأقصى، تحضيرًا لمشروع "العاصمة اليهودية".

وعن مخاطر ما تسعى إليه "إسرائيل"، ينبه إلى مدى خطورة ما تخطط له في "باب الرحمة"، قائلًا إن "تخلينا عن باب الرحمة يعني التخلي عن الأقصى بشكل كامل، وتنفيذ مخطط تقسيمه مكانيًا، ما سيؤدي إلى انتزاع مساحات واسعة من المسجد، وبالتالي إنهاء وجودنا في المدينة المقدسة".

لكنه يشدد على أن المقدسيين لن يتخلوا عن الأقصى، ومستعدين للدفاع عنه، فهم يشكلون "رأس الحربة" لوأد مخططات الاحتلال.

وللحفاظ على قدسية ومكانة باب الرحمة، يطالب دائرة الأوقاف وكافة المعنيين بجعله معقلًا من معاقل العلم على مدار الـ 24 ساعة.

وبالرغم من تعالي الأصوات الإسرائيلية المطالبة بإعادة إغلاق مصلى باب الرحمة، إلا أن بكيرات يؤكد أنه سيبقى مفتوحًا ولن يغلق مجددًا وسيتم إعادة ترميمه.

ويطل الباب من الخارج على مقبرة إسلامية عريقة تحمل اسم "مقبرة باب الرحمة"، مساحتها حوالي 23 دونمًا، اقتطع الاحتلال جزءًا مهمًا منها لصالح إنشاء حدائق تلمودية، ومنع منذ سنوات المقدسيين من دفن موتاهم فيها.

ويزعم المستوطنون أن باب الرحمة كان يستخدم مدخلًا رئيسًا "للهيكل" المزعوم ويقفون بمواجهته كأنهم سيدخلون من خلاله إلى ما يسمونها "قدس الأقداس".

مدير المسجد الأقصى عمر الكسواني، يقول، الأطماع الإسرائيلية لا تقتصر على باب الرحمة فقط، بل تطال الأقصى بكافة مساحته الـ 144 دونمًا، بهدف تنفيذ مخططه القاضي بتفريغ الأقصى واستحداث واقع جديد فيه بقوة السلاح.

ويوضح أن الاحتلال يستهدف باب الرحمة بشكل ممنهج، من خلال الاعتداء على الحراس وموظفي الأوقاف وإبعاد بعضهم عن الأقصى، واستفزازات الشرطة وإخراج محتوياته والسواتر الخشبية منه، ما يشكل انتهاكًا سافرًا لحرمة الأقصى، واستفزازًا لكل المسلمين.

ويؤكد "لا تنازل عن أي جزء من الأقصى، ولن نسمح بفرض أي واقع جديد فيه وسنواصل رباطنا وحفاظنا عليه، قائلًا: "نحن في دائرة الأوقاف لا نعترف بإجراءات الاحتلال ضد الأقصى، وتحديدًا في باب الرحمة".

ويعتبر تكثيف التواجد الشعبي والرباط الدائم في المنطقة، وإعمارها، الأداة والرادع الأهم للجم أطماع الاحتلال، ومنع تنفيذ مخططاته التهويدية، خاصة في ظل مواصلة الصمت العربي والإسلامي إزاء ما يجري بحق الأقصى.