يا أستاذ مفيد...
قدرى، أن أتلقى أسئلة، بعضها أملك الإجابة عنه وبعضها ليس لدىَّ المعلومات الكافية، ومع ذلك لا أترك السؤال حائراً.
١- أين تذهب فى بيروت؟
- أزور فيروز وأتسكع فى شارع الحمرة، حيث ينافس السوريون اللبنانيين فى سبل الرزق وتحبل الأرض بألف إشاعة وأبحث عن «مطربة بقضية» اسمها جوليا بطرس وأحج إلى حريصا وقديس المهام المستحيلة «شاربل» أضع أمامه همساً عشرات الأمنيات!
٢- هل صادفت فى مشوار عمرك مكفوفين عظاما؟
- صادفت د. عبدالحميد يونس، الأستاذ بكلية الآداب، وتعلمت على يديه عشق اللغة العربية، وقابلت طه حسين وسمح لى بدقائق حوار، وعرفت عمار الشريعى كتلة المواهب، واقتربت عائلياً من سيد مكاوى، وسمعت الشيخ إمام واكتشفت أن للكفيف بصيرة تتجاوز البصر، فى وقت أعرف مبصرين فاقدى البصر والبصيرة!
٣- هل تستشعر فى الوسط الفنى غضباً ما؟
- نعم هو غضب دون حرائق، لكنه عتاب مكثف من نجوم خفضت أجورهم ونجوم تقلص ظهورهم ونجوم آثروا البقاء فى بيوتهم لدواعى الكرامة، ونجوم لا يجيدون الفهلوة للظهور فى الصورة، ألمح تقطيبة الجبين من سيطرة غير المحترفين على مجالات من شروطها الاحتراف والمهنية!
٤- ما ملاحظاتك على أفلام اليومين دول؟
- ألاحظ «طغيان» العنف! ألاحظ «تصفيق» صغار السن لنجاح مهمة تزوير دولارات! ألاحظ تقليداً حياً للمعارك فى الاستراحة، ألاحظ تهليلاً لخطة الاستيلاء على ذهب ومشغولات ذهبية فى محل جواهرجى! ألاحظ قيماً غريبة وطارئة تنفذ إلى الوجدان وتبقى فيه! ألاحظ ضوضاء شاذة على مجتمعنا!
٥- هل تنام فترة القيلولة؟
- نعم ثلاثة أرباع ساعة كافية للانتعاش بعدها، أكثر سعادة وروح معنوية أفضل وإنتاج أعلى، وعندى كرسى مثل كرسى الطائرة يتحول إلى سرير أفرد عليه ظهرى، ونوم القيلولة من الطقوس الإسبانية وصالونات القيلولة تتيح للإسبان فرصة النوم عشرين دقيقة مقابل أربعة يورو فلا يضطر الإسبانى للعودة للبيت!
٦- هل كونت فكرة نهائية عن مخلوق اسمه المرأة؟
- مخلوق ضعيف يملك قوة بركان، مطلبها الوحيد فى كل عصر وزمان هو الأمان، إذا أحبت منحت كل غالٍ، وإذا اكتشفت أنك تلهو بها «أذاقتك» العذاب على نار هادئة، تحب التحضر من المصافحة باليد إلى المصافحة بالجسد. أنانيتها مشروعة وصمتها ثرثار.. وهى مركز الكون وبطولتها فى أمومتها.
٧- هل يستوعب المصريون بكل شرائحهم إنجازات الدولة العمرانية؟
- لا أظن أن «كل شرائح» المجتمع تستوعب ذلك، وإذا خرج مذيع ليقول ذلك فهذا تطبيل غير مرغوب، الواقع أن النخب القادرة على فهم أبعاد هذا العمران هم الذين يستوعبون، أما الطبقة المستورة «المتوسطة سابقاً» فهى تشعر بإرهاق أسعار المعيشة وعبارة المعيشة هى الأهم فى الحياة اليومية للطبقة المستورة. وحماس الطبقة المستورة للإنجاز العمرانى مطاراً أو مدينة جديدة أو مصنع فوسفات، حماس بارد فاتر، إن الطبقة المستورة تقيس رضاها بقدرتها على المضى بكرامة فى هذه الدنيا، وتحل فكرة «الجمعيات» حيث تقبض الأسرة مبلغ الجمعية بالتوالى مع المشتركين فيها، فى مناسبات كدخول المدارس أو تزويج بنت من البنات، هذه أمور حياتية مختلفة تماماً عن المضى فى الإنجاز العمرانى الذى يعود عليهم على مدى بعيد، والطبقة المستورة مصابة بسعار اسمه الآن وفوراً ولهذا تتعذب وبوعى غريزى، ترضى وتحمد الله.
٨- هل لديك تعريف دقيق أمين لكلمة «الوطنية»؟
- الوطنية ليست فقط تحية العلم وترديد نشيد بلادى بلادى، الوطنية هى الإيمان والانتماء والامتنان والتضحية بالبرهان، الوطنية هى العمل على رفعة الوطن ورد اعتباره وتقديس ترابه، الوطنية ليست شو ولا كلاما مزوقا ولا جعيرا بصوت نحاسى، الوطنية معناها الأعمق نفى إشاعة، إبلاغ عن تحرك غامض أو مشبوه، وقوف مع مواقف الدولة برشد وقناعة، الوطنية ليست تطبيلاً أجوف أو تهليلاً مسطحاً أو هتافاً أرعن، الوطنية هى احترام المواطنة والسلوك الديمقراطى وليست السير الأعمى دون فهم أو رشد، الوطنية هى احترام سياح بلادى، هى توحيد صفوف لحظة محنة، هى الوقوف عزوة فى ظهر القائد والرئيس، الوطنية هى السؤال إذا جاء أوانه، ومحاولة الفهم حين يكون ضرورة، وتقدير مواقف الدولة فى الأزمات.
9- ماذا تعلمت فى الصحافة عبر رحلة طولها نصف قرن؟
- تعلمت فن الصياغة فى الأسلوب من «هيكل»، تعلمت المباشرة فى الفكرة من «أحمد بهاءالدين»، تعلمت الجرأة من «يوسف إدريس»، تعلمت حلاوة الكلمة من «نزار قبانى»، تعلمت الكتابة بلسان امرأة من «إحسان عبدالقدوس»، تعلمت السرد القصصى فى التحقيق الصحفى من «فتحى غانم»، تعلمت فن الإيجاز فى العبارة من «سلامة موسى»، تعلمت رومانسية العرض من «محمد زكى عبدالقادر»، تعلمت مداخلى للمقال أو التحقيق أو حتى الخبر من ممارستى فى الحوار التليفزيونى، نعم، أنا من جيل يعترف بمن علموه أو أضافوا إليه.
10- قل لنا عن «اسم» على أجندتك الشخصية؟
- الصحفى هو ناس وأماكن وأحداث، وقد قابلت فى مهرجان الشارقة منذ شهور قليلة سعودية راقية بهية الطلعة مثقفة وحاصلة على درجة الدكتوراه فى الإعلام من لندن، التى عاشت فيها فترة. اسمها: د. هبة جمال، وقد لفتت الأنظار بحضورها وطلتها فى بداية مشوارها واختيرت لبرنامج شهير يحمل اسم كلام نواعم، ولمعت وصارت فتاة الغلاف لسيدتى مرة ولمجلة أرى مرة أخرى واختاروها منذ أسابيع لتقدم - لأول مرة - فى المملكة حفلاً ساهراً فى جدة، إشراف وزير الترفيه، ونجحت. د. هبة جمال سعودية عصرية من جيل ولى العهد محمد بن سلمان، هذا الجيل الناهض المثقف مرفوع الرأس والكرامة معبراً عن سعودية متطورة.
رسالة دكتوراه هبة جمال فى «التواصل الاجتماعى»، واتصالها بخريطة الإعلام كبيرة، وقد وجهت لها الشارقة دعوة شخصية لحضور ذلك المؤتمر العلمى، من أفكار د. هبة جمال: القضاء على الإحباط بالحماس لمشروع جديد. لابد أن يصاحب الذكاء الإنسانى.. الحذر. كل سحابات الصيف التى تمر على الإنسان تختبر معدنه وقدراته، الرقى فى الرجل ينتشله من الذكورية. أحب الشعر الحلمنتيشى حينما يتحدث عن حال الناس وأوجاعهم، سلاسة الكاتب تصل لأى مستوى علمى أو ثقافى. كان عشقى الأول تصميم الأزياء ثم صارت الأكاديمية والدراسة هى الحب الثانى، ولكن ما الحب إلا للحبيب الأول «الإعلام». أفكر فى برنامج يقدم المرأة السعودية على كل الأصعدة من الممرضة إلى الباحثة، الإنسان فى هذه الحياة كتلاطم الأمواج يحتاج لكف صديق. ما زلت أرى أن الرجل - لا المرأة - لغز صعب وإن كان بداخل الرجل طفل! الصداقة الحقة مصدر سعادة وطاقة إيجابية لطرفين.
د. هبة جمال فى زيارة لمصر وكانت قد زارتها وهى فى السادسة عشرة من عمرها، جاءتها من العين السخنة لتمضى أياماً ثم تعود لحضن المملكة.