هل آن أوان استعادة الوعي العام .. !!
نعم، لقد آن أوان قراءة المشهد الوطني بروح الحرص وضمير الوطنية الحقة، ولم يعد مقبولاً الاستمرار في حالة التوصيف المقلقة للحالة الوطنية، والتي تؤدي إلى انزلاق الوعي العام نحو أتون اليأس، والإحباط، ولابد من التوقف عن توتير المشهد، وطمس ملامح الأمل، واستحضار المخاوف بأن القادم محفوف بالمخاطر، والويل، والثبور، وإن الأزمة الاقتصادية، وانخفاض الإيرادات العامة سيؤديان إلى استحقاقات سياسية خطيرة بأدوات إقليمية، وضغوط دولية مما يجعل المشهد القادم قاتماً لدرجة لا تليق، هكذا يتم رسم المشهد لاستدعاء حالة الاحتقان العام.
ليس من حقي أن أقلل من حجم المخاطر؛ حيث ندرك جميعاً حجمها، وتفاعلاتها ونرقب بوعي تحركات القائمين عليها، والمبشرين بها في الداخل، والخارج، ولكن الوعي العام يقتضي استدعاء الأزمات الاقتصادية الكبيرة التي شهدها الوطن منذ ثلاثة عقود، والتي تم تجاوزها بحكمة القيادة، ووعي الشعب، واستحضار التوازنات الإقليمية، وضرورات البقاء الوطني كدولة محورية تشكل اساساً للاستقرار، وبوابة للحل في الشرق الأوسط برمته.
الحقيقة المرة التي نواري الاعتراف بها، ونتوارى عن مواجهتها بقصد، أو بدونه هي أن استحضار خطاب الشجب لكل السلطات العامة في الدولة، واستدعاء خطاب اليأس، والخوف من القادم المجهول، والتحذير من "مغول الألفية الثالثة" الذين سيأكلون الأخضر، واليابس من البقاء الوطني هو خطاب يرتقي لمستوى التحريض الذي يوازي خيانة الوطن إن كان بقصد وخذلان الشعب ان كان بدون ذلك.
من كان يعتقد أن الحكومة هي سبب الأزمة الوطنية فهي راحلة خلال عام، ومن كان يظن أن مجلس النواب هو المعطل للإنجاز الوطني فهو مغادر في مطلع الصيف القادم، والتحدي الوطني الحقيقي الذي يرسخ الحرص الوطني بعيداً عن استدعاء خطاب اليأس هو خيار الشعب في صناديق الاقتراع التي هي وحدها التي تمنح حكومة جديدة ثقة الشعب من مجلس النواب نيابة عنه، فإن أحسن الناخبين الاختيار كان للوطن ما يريد، وإن لم يك فإن استدعاء خطاب التوتير، والظلامية وجلد الذات لا يخدم سوى أعداء الوطن.
في ظل انفراد الهويات الفرعية في قيادة الرأي العام؛ ما يزال الوعي الوطني مصادراً من نخب تترصد أي إنجاز لتقزيمة، وأي إخفاق لبث خطاب الوقيعة من خلاله، ففي كل المجتمعات، والدول المتحضرة يتوحد الشعب في الأزمات ويغيب خطاب اليأس، وتتذاكر النخب أساليب النهوض الوطني حتى إذا تجاوز الوطن بوادر الخطر حوكم الأداء، وتم محاسبة المقصر وجاء الشرفاء إلى مقدمة الحضور الوطني، وعندها فقط يتم استرداد الوعي العام، وتستحضر الهوية الوطنية الجامعة إلى غير رجعة.
من يريد أن يتحصن في خندق الوطن عليه أن يعيد النظر في خطاب اليأس، والتخويف، واحترام السلطات الدستورية الثلاث والالتزام بمتطلبات دورها المنوط بها وفق أحكام الدستور؛ هو واجب وطني أصيل، وإدراك أهمية الصحافة، والإعلام كسلطة رابعة هو تطبيق حصيف لمقتضيات الوعي العام الحاضر في المشهد الوطني، وعندها فقط سندرك أن المخاطر الوطنية قد ذهبت إلى "حيث ألقت رحلها أم قشعم".
وعلى هذا التراب الأردني المقدس دائماً ما يستحق الحياة...!!