من يحاسب الحكومات على جرائمها؟
بلال العبويني
ليس مستغربا التصريح الذي أدلت به الوزيرة جمانة غنيمات أن فرض الضرائب لم يساهم في رفع إيرادات الخزينة.
ذلك أنه منذ البدء، حذر مختصون كُثر من خطورة اللجوء إلى فرض الضرائب بهدف زيادة الإيرادات، مؤكدين أن المؤشرات ستكون سلبية، بل ستساهم في “خراب بيوت” بعض القطاعات الاقتصادية، وبالتالي تراجع إيرادات الخزينة، وهو ما حدث.
مثال على ذلك، ويمكن دائما الإشارة إليه عند الحديث عن المنطقة الحرة وتراجع التخليص على سيارات الهايبرد نتيجة ضريبة الوزن وغيرها.
بيد أن السؤال اليوم، ما الذي تفكر به الحكومة لزيادة إيرادات الخزينة في وقت أطلق فيه وزير المالية الدكتور عزالدين كناكرية تصريحا محبطا عندما قال في اجتماع مع اللجنة المالية في مجلس النواب إن مليار دينار من إيراد الخزينة من المحروقات والدخان لن تستمر نتيجة اللجوء إلى السجائر الإلكترونية والسيارات الكهربائية.
الجريمة التي ارتكبتها الحكومات بحق خزينة الدولة والمواطنين وقطاعات اقتصادية مهمة تأثرت من توالي توالد الضرائب وارتفاعات الرسوم، من يحاسبها عليها؟، بل من يقيّم أداء وقرارات الحكومات التي تكون أحيانا نتائجها كارثية على الدولة بكل مكوناتها؟.
نعلم أن مجلس النواب هو المناطة به هذه المهمة، غير أنه وللأسف، الفاعلون من النواب معدودون على الأصابع، وهؤلاء لا تأثير لهم عند التصويت الذي يكون غالبا الغلبة فيه للنواب المحسوبين على الحكومات أو المرتبطين معها بمصالح صغيرة وكبيرة.
مشكلة مجلس النواب، أن بعض القوانين لا تأخذ حقها في التداول والنقاش، بل إن النائب يفتقر للأدوات التي تمكنه من تمحيص كل مادة في القانون لأنه ببساطة لا يلجأ إلى استشارة المختصين، لذلك إما أن يقتنع بقرار اللجنة النيابية المعنية أو أنه يقتنع بالضغط والتوجيه الخارجي “المصلحي” على حساب الدولة ومواطنيها.
تقول الحكومة إن هناك مؤشرات اقتصادية إيجابية، وفي ذات الوقت يرسم وزير المالية صورة سلبية لإيرادات الخزينة، وأيضا تتحدث الحكومة عن أن لديها خطة لرفع وتحفيز النمو، وفي ذات الوقت ثمة مؤشرات على تراجع الاستثمار، وأن هناك صعوبة في جذب الخارجي منه، أو تنشيط الاستثمار المحلي الذي “عانى الأمرين” نتيجة سياسة ارتفاع الضرائب وغياب الاستقرار التشريعي وارتفاع كلف التشغيل إلخ.
مع هذه المتناقضات، كيف يمكن أن نرفع النمو؟، وكيف لنا أن نتحدث عن مؤشرات إيجابية في ظل فشل الضرائب في رفع إيرادات الخزينة وفي ظل توقع إنخفاضها نتيجة تحدي السجائر والسيارات الكهربائية؟.
ثم ما ذنب المواطن الذي اكتوى ومازال بنار الضرائب وارتفاع أسعار الكثير من السلع والرسوم؟، لتأتي الحكومة وتخبره أن الضرائب التي فرضتها عليه وأرهقت كاهله و”سلبت اللقمة من فم أبنائه” لم تأت بنتيجة، وكانت كلها عبارة عن اجتهادات خاطئة أو امتثالا لإملاءات غير صائبة.
للأسف، الحكومات لا تريد “تشغيل أدمغتها” عندما تلجأ دائما إلى الخيار الأسهل وهو جيب المواطن، فهي لا تجري، حتى وإن ادعت ذلك، دراسات أثر لما تعتزم فرضه من قرارات، والدليل النتيجة التي قالتها غنيمات، وبدليل أيضا تراجعها عن قرارات أو المسارعة في إنتاج استثناءات مثل الذي حدث بقرار إحالة من أتمّ الثلاثين عاما من الموظفين المعينين على نظام التقاعد المدني إلى التقاعد، لتتفاجأ أنها غير قادرة على تطبيقه لاختلالات ستطال بعض القطاعات كالقطاع الطبي مثلا.
مثل تلك الأخطاء التي تصل إلى مستوى الجرائم أين يصرفها المواطن بعد الذي حلّ به وما زال؟.