أيها السادة .. نريد قادة .. !!
لم يشهد الأردن حالة ارتباك في صنع القيادات الوطنية منذ تأسيس الدولة كما هو الحال اليوم، ومرد ذلك ليس لغياب الكفاءة والتأهيل، وإنما لشيوع حالة القلق في اتخاذ القرار الإداري، والسياسي أحياناً، وعدم مراعاة الصفات القيادية عند اختيار كبار الموظفين وخاصة أصحاب الدرجات العليا منهم، وثمّة عوامل كثيرة أفقرت الإدارة العامة من القادة الإداريين، والدولة من رجالات السياسة، والحكمة ليس أولها ولوج معظم الحكومات في العقد الأخير في طمس الهوية القيادية لبعض أصحاب المواقع العليا من جهة، واستدعاء شخوص يتماهون مع ظروف الانقياد، والخنوع لأوامر الرؤساء دون فحص، أو تمحيص فيما إذا كانت تلك الأوامر موافقة لأحكام القانون، أو تحقق المصلحة العليا للدولة أم لا.
القيادة موهبة، وشجاعة، وثقة بالنفس وإيمان بأن الوطن مقدم على الجميع، وسيادة القانون المفتاح الوحيد للقرار الإداري، أو السياسي، والقيادة ليست صراخ بل موهبة في إدارة الحدث وصنع القرار، والقائد الإداري يستشير دون أن يكون أسير مندوب ديوان المحاسبة، والمستشار القانوني، وعليه أن يحلق في فضاءت الاجتهاد، ويتحرك بثقة في مساحات تقدير المصلحة العامة بوعي دون هدر للمال العام، أو إهمال مراعاة دواعي الحذر المعقول دون ارتباك، أو إرباك لمن هم دونه.
الحقيقة المرة، والمفجعة أن القادة الحقيقيين يغادرون مبكراً مواقع المسؤولية، ولا يتم استدعاؤهم مرة أخرى إلا بالصدفة، أو إذا أنصف احدهم رجل مخلص من رجالات الدولة الحقيقيين، والقائد الإداري عون لرئيسه لا قيداً عليه، واحتراف القيادة موهبة؛ لأنها تشق طريقها بشجاعة دون تهوّر، وحكمة دون انفلات، ورصانة بلا استعراض، وإيمان دون وجل، والوطن الذي يتقدم الصفوف فيه قادة حقيقيون مؤمنون بوطنهم بثقة، وعزم، ونزاهة، وإيمان لا يمكن إلا ان يكونَ في مقدمة الدول تطوراً، وعطاءاً، وإنجازاً.
الرىًيس الرزاز الذي امتلك الحرية الكاملة في اختيار فريقه الوزاري يستطيع بحرية اكبر اختيار كبار معاونيه في الادارة العامة ممن يتسمون بمهارات قيادية، ولا زلت اتساىًل عن مبرر تعديل نظام الوظائف العليا الذي يحرم الادارة العامة من اختيار قيادات ادارية من قبل الرىًيس ومجلس الوزراء ويتحملون مسؤوليتهم السياسية امام مجلس النواب، فالقادة لا يام اختيارهم وفق مواصفات فنية فقط وإنما باختيار الرىًيس ومجلس الوزراء، ولا أظن ان هذه التجربة ستنجح وتحقق أهداف الرىًيس في تعزيز الشفافية في اختيار المواقع العليا.
من أخطر المسائل التي تعترض متخذ القرار الإداري تحديداً هو الخوف من المسؤولية، والمساءلة، والنزر القليل من عوامل الخوف هذا مبرر، والباقي قلق مرتبط بطباعٍ وسلوك انقيادي مرتبك، ورعب لا يستند إلى حقائق معقولة، وفهم أصبح يتشكل -للأسف- أن مجرد الاحجام عن اتخاذ القرار يؤدي إلى إطالة عمر المدير، أو الأمين في الوظيقة العامة، وهو فهم له أعوان كثر داخل، وخارج الإدارة، وخلق حالة من الإحباط العام، والشعور المقلق بفقدان الأمل بالإصلاح.
القادة الحقيقيون يتحملون المسؤولية السياسية، والقانونية لقراراتهم، والقضاء بفضائه الرحب يفرق بالقطع بين الاجتهاد والإهمال، وبين مخاطر الاجتهاد الواقعية من جهة، والإفراط، والتفريط من جهة أخرى، والموظف الذي لا يملك الاستعداد الكافي والشجاعة الحقيقية لتحمل المسؤولية القانونية لقراره المتخذ لا يستحق ولا يجوز له أن يتصدى للموقع العام أياً كانت مواصفاته الفنية، أو العلمية، فالفرق بين بين الخبير، والقائد ان الأول مؤقت والثاني دائم في الإدارة العامة.
الدول الحيّة ورجالات الدولة يستلهمون صفات القيادة من قادتهم، ونحن أكرمنا الله بقيادة هاشمية، شجاعة، وحكيمة، ومؤمنة بسيادة القانون، وقدرة أبناء الوطن على المشاركة في حمل المسؤولية بشجاعة، وثبات؛ قيادة جنبت الوطن مخاطر جمّة، وحققت مصالح كبيرة، وستبقى قيادتنا الهاشمية قدوتنا في النهوض بوطننا بكل ثقة، واقتدار، وحرص على تحمل المسؤولية بشجاعة، وثبات.
وحمى الله وطننا الحبيب، وشعبنا الطيب، وقائدنا المفدى من كل سوء...!!!