تعديل قانون الجامعات .. لماذا الآن؟!
لم يجف الحبر بعد على تعديل قانوني الجامعات الأردنية، والتعليم العالي والبحث العلمي واللذين تم إقرارهما في الزفير الأخير من عمر حكومة الملقي؛ حتى أطلت علينا الحكومة بتعديلات تتضمن تراجعاً لا يليق عن الكثير من الصلاحيات التي أعطيت لمجلس الأمناء والحصانة التي منحت له من الإقالة من قبل مجلس التعليم العالي، والمتعلقة برئيس وأعضاء مجلس الأمناء؛ بل أكثر من ذلك فإن هذا التعديل موسوم بلمسة واضحة للمحافظين الذين يؤمنون بتركيز السلطة بيد الحكومة، ومجالسها المباشرة وفي مقدمتها مجلس التعليم العالي، والذي يبدو أيضاً بأن التغيير، والتبديل المتكرر لوزراء التعليم العالي قد أرهق اختبار التجارب، وانتظار نتاىًج التطبيق، وأضحى المزاج والرغبة لهذا الوزير، أو ذاك هي الغاية التي يتم ترجمتها بمشروع قانون يتم دفعه بالحال وبانفعال صوب البرلمان ليلبي تلك الرغبة.
التعديل الذي جاء به مشروع قانون الجامعات الاْردنية يقصد منه استئثار وزير التعليم العالي بالمطلق، مهما حاولنا تجميل المشهد القانوني في إدارة المشهد الأكاديمي للتعليم العالي منفرداً بطريقة، أو بأخرى، ويعيد إلى الأذهان مجزرة الإطاحة برؤساء الجامعات التي حدثت عام (2004) والتي راح ضحيتها -وقتذاك- سبعة منهم على مقصلة رغبات آنية لوزير التعليم العالي آنذاك ، دون أن تتنبه الحكومة في حينها بأن القرار الأكاديمي الصادر في القضايا، والقيادات الأكاديمية، والمسائل المرتبطة بشؤون التعليم العالي تختلف بالتأكيد عن القرارات الصادرة في القضايا الإدارية، والأمنية التي تصدر عن وزارة الداخلية مثلاً.
لا أدري ما الذي أزعج الحكومة لتحرص على الاستعجال في سحب صلاحيات كثيرة من مجالس الأمناء، تلك المجالس التي نجحت في اختيار رؤساء جامعات آل البيت، والأردنية، ولم يتم اختبارها بعد في تقييم الرؤساء، وممارسة صلاحياتها الفنية، والأكاديمية، والإدارية، ولا ادري أيضاً كيف سنلبي طلبات ورغبات وزير التعليم العالي القادم من قرارات وتشريعات، سيما وان الاستقرار التشريعي قد اضحى امنية للساسة ورجال القانون على حد سواء.
والسؤال؛ هل احسنت الحكومة صنعاً عندما تحكمت من خلال مجلس التعليم العالي في إنهاء خدمات رئيس وأعضاء مجالس الأمناء، ولماذا هذه الردة السريعة غير المبررة؟، وهل ناقش مجلس الوزراء مشروع القانون المعدل باستفاضة قبل الدفع به الى اروقة البرلمان؟، وهل سنبقى أسرى لاجتهادات الوزراء، ورغباتهم الآنية وربما أحلام لا تليق برجال الدولة؟.
مشروع التعديل المنظور هذه الأيام في الدورة الاستثنائية لمجلس النواب في قانون الجامعات، وحتى مشروع قانون التعليم العالي لم أجد له مبرراً سوى رغبة تحت الرماد للإطاحة ببعض رؤساء الجامعات وتكرار مشاهد سابقة لا تليق بحكومة أعلت من شأن، واستقلال الجامعات في بيانها الوزاري من جهة، ولم تظهر حتى اللحظة أنياب الإقصاء والاستئثار المقيت لصلاحيات تعهدت الحكومة في تعزيزها لمصلحة ديمقراطية التعليم العالي، وأظن أن مجلس النواب لن يمررها بسهولة، وللأمانة فقد استغربت أن دولة الرئيس وافق عليها في مجلس الوزراء، لأني أدرك أن مضامنين النصوص المعدلة تخالف قناعاته بوضوح.
الغريب أن الحكومة في التشريعات التي تقدمها للبرلمان لم تعالج بعد قواعد المساواة في معايير الاعتماد، ولم تضع حداً لتجارة التعليم العالي، وسيطرة مالكي الجامعات الخاصة، وبعض الممارسات، والاهم فقد اضحى من الواجب على الحكومة معالجة الأعباء المالية - وعلى الأخص جامعات الاطراف - ولم تدرك بعد أن الكثير من رؤساء مجالس الأمناء، وأعضاء المجالس لا يمانعون من الاستقالة إذا طلب منهم ذلك دون الحاجة إلى إفراد نصوص للإقالة التي تشوه مضامين استقلال الجامعة، وتحصر فلسفة التشريع في تلبية رغبات وأهواء لنا قول في تفسيرها على المدى المتوسط، والبعيد، فالتعليم العالي في الأردن بحاجة إلى رويّة، وحكمة في المعالجة والنهوض، ومواجهة ( مافيات )التعليم العالي المؤذية التي تحتاج لرؤى ثاقبة، وقرار وطني رصين لا يأخذ في الفاسدين في هذا القطاع شفقة، ولا رحمة.
وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء....!!!