ضريبة الرياح والشمس

 د. أيّوب أبو ديّة

 

طالما تَندّر الناس بضريبة الهواء وتركيب عدادات على البشر لتنفس الهواء بحيث تكون خاضعة للضريبة، ولسخرية القدر فقد اقتربنا اليوم من واقعية هذه الطرائف بالحديث عن ضريبة توليد الطاقة المتجددة من الشمس أو الرياح!

كما هو معلوم فإن ارتفاع نسب الضرائب يؤدي إلى انخفاض استهلاك الناس وبالتالي يقود إلى انخفاض دخل الحكومة، وذلك ما تم شرحه تفصيلياً بفيديو للدكتور معن قطامين على أنغام "بنكبانثر" الذي أوضح فيه كيف أن ارتفاع الضريبة أدى إلى انخفاض دخل الحكومة مئة مليون دينار في الربع الأول من عام 2019 مقارنة بعام 2018، كما انخفضت ضريبة المبيعات أيضاً لأن الضريبة تقتل الدخل من الضريبة، فماذا يمكننا الاستدلال من هذه المقابلة؟

أولاً: إن الصناعات التي سعت إلى خفض كلفة إنتاجها كي تنافس منتجاتها في الأسواق المحلية والعالمية سوف تفقد هذه المقدرة بعد أن يترتب عليها فواتير كهرباء جديدة سوف تربك اتفاقياتها طويلة الأمد وتسقطها.

ثانياً: إن الجامعات والمؤسسات الكبيرة التي بدأت تنتج الكهرباء من الطاقة الشمسية وشرعت في توجيه الفائض المتمثل بملايين الدنانير صوب البحث العلمية والتطوير والابتعاث وتحديث المختبرات وما إلى ذلك فإنها ستعود القهقرى صوب الانجماد والتقوقع.

ثالثاً: هناك مشكلة في إدارة الأزمة الاقتصادية منذ علقنا بعنق زجاجة الملقي حتى هذه اللحظة، وما زلنا ننتظر التنمية المستدامة بتشجيع الاستثمار وتخفيض الضرائب لتحقيق نمو اقتصادي والحد من مقدار الدين العام الذي اقترب من 30 مليار دينار.

ومن الواضح أن صناديق تشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة ورفع كفاءة الطاقة تم توجيهها صوب تقديم سخانات شمسية وتوليد كهرباء شمسية مجاناً لذوي الاستهلاك المتدني المدعوم أصلاً، وهو شيء جيد ولكنه بات يشكل خدمة لشركة الكهرباء أيضاً لاطفاء خسائرها. لذلك فإننا نرى أن هذا التوجه الضريبي الأخير لا ضرورة له لانه سوف يؤثر على مئات الشركات العاملة في قطاع الطاقة المتجددة وعلى مستقبل عشرات الآلاف من الموظفين والطلبة اللذين يقبعون على أبواب التخرج في مجالات الطاقة المتجددة كافة، ومن ثم سوف يؤثر على الطلب على الكوادر التدريسية في هذا التخصص أيضاً وتراجع الطلب عليهم وانخفاض رواتبهم وربما هجرتهم إلى الخارج.

مشكلتنا في الأردن ربما تتمثل في أننا نخطط فقط لفترة ولاية رئيس الوزراء، أي لسنة أو سنتين كحد أقصى، رغم أننا بحاجة إلى وضع خطط استراتيجية لأمد بعيد لا تقل عن عام 2050، كما تفعل دول العالم اليوم. ففيما تسعى دول مثل السويد والدنمارك للوصول إلى 100% من خليط الطاقة بالطاقة المتجددة بحلول عام 2050 (بما في ذلك قطاع النقل بالتمام والكمال) فإننا في الأردن توقفنا عند 20% طاقة متجددة كهرباء عام 2022 بقرار صدر بتاريخ 19/1/2019 مضمونة وقف مشاريع الطاقة المتجددة التي تتجاوز واحد ميجاواط، أي أننا توقفنا عند عشرة بالمئة تقريباً من مجمل خليط الطاقة بينما في العالم الذي في طور التقدم هناك خطط للوصول إلى نسبة مئة بالمئة في العام المقبل 2020، كحال نيكاراغوا وكوستاريكا والأرغواي وسكوتلاندا.

ختاماً لابد من القول إن بعض أهم أسباب فشل استراتيجيتنا الوطنية في مجال الطاقة هي أساساً الضغوط الخارجية المصرة على التدخل في الشأن الوطني والقرار الوطني المستقبلي كمشروع استيراد الغاز الفلسطيني المنهوب من قبل الكيان الصهيوني عبر أذرع لشركة نوبل إنرجي ومن دون الحصول على موافقة برلمانية، وأيضاً كمشروع الطاقة النووية الذي ما زالت الإستراتيجية الوطنية تخطط لتخصص له 40% من كهربائنا أو 23% من خليط الطاقة عام 2025 بالرغم من أن الطاقة النووية ليست لديها القدرة على المنافسة اقتصادياً أو أمنياً ولا يمكنها أن تحقق مفهوم الاستدامة في الطاقة مهما تم تلميعها، وبالرغم من أن مجلس النواب الأردني السادس عشر طالب بوقفه بأغلبية 64 صوتا عام 2012.