ذاكرتهم لم تنسى ان "أوسلو" وعدتهم بما هو أفضل من خطة كوشنر الفلسطينيون يرفضون خديعة "الأنموذج السنغافوري" مجدداً

- وكالات

اعتقدت الإدارة الأميركية ومعها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أن سياساتها القائمة على سدّ المنافذ المالية أمام الفلسطينيين ستكون كفيلة بإيصالهم إلى مرحلة اليأس، وبالتالي دفعهم إلى القبول بأي حلّ للصراع، ولو كان على حساب قضيتهم، تحت عنوان «فصل السياسي عن الاقتصادي»، لكن الفلسطينيين أجمعوا للمرة الأولى، على أن السيادة يجب أن تسبق أي تحرك اقتصادي، وإلا فإن ذلك لا يعني سوى تحسين شروط الحياة تحت الاحتلال.

ويرى محللون، ان مذكرة «من السلام إلى الازدهار» الجزء المعلن والمكتوب من «صفقة القرن» حتى الآن، التي نشرتها الخارجية الأميركية وعرضها جاريد كوشنر باختزال في «مؤتمر المنامة»، تسوّق وهماً كبيراً للفلسطينيين بعناوين رنانة لا تجد لها في الواقع الاقتصادي والجغرافي وزناً.

المذكرة قسّمت «الخطة الشاملة» إلى ثلاثة محاور رئيسة هي: إطلاق العنان للإمكانات الاقتصادية، تمكين الشعب الفلسطيني وتعزيز الحوكمة الفلسطينية، وكلها عناوين إنشائية يختفي بريقها إذا ما انتقلنا إلى التفاصيل، بحسب محللين، يوضحون ان المذكّرة تَعِد بخلق نحو مليون فرصة عمل إضافية للفلسطينيين، علماً بأن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يقدّر، في تقريره الصادر في نهاية نيسان/ أبريل 2019، حجم العمالة في كل المناطق الفلسطينية، بما فيها لدى شركات الاحتلال في الداخل المحتل، حتى عام 2018، بنحو 951 ألفاً، ما يجيز التساؤل: كيف لكوشنر مضاعفة العدد بخطته غير الواضحة المعالم هذه؟

وتقدم الخطة، بحسب هؤلاء، أيضاً مقارنة سطحية بين التحول الاقتصادي المفترض في فلسطين وبين دول ذات تجارب تحول ناجح، مستحضرة في هذا الإطار الأنموذج السنغافوري الذي ارتبط في الذهن الفلسطيني بـ«اتفاق أوسلو»، وذلك عندما قُدّم الاتفاق إلى الفلسطينيين تحت عنوان: «سنحيل غزة إلى سنغافورة الشرق الأوسط»، وهو ما لم يحدث طبعاً، بل على العكس تماماً.

كذلك، تذكر «رؤيا» مستشار وصهر دونالد ترامب بنداً يتضمن تقديم نحو 400 مليون دولار، «100 منها على شكل منح، و300 كقروض ميسرة»، في إطار تمويل المشاريع الصغيرة والمبادرات الفردية والشركات الناشئة، وهي تجربة سيئة طبّقها رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض، الذي يصفه الفلسطينيون بأنه «سليل صندوق النقد الدولي»، الذي رهن جميع الأنشطة الاقتصادية لجهات الإقراض والتمويل، وهو ما بدا جلياً في الأنشطة التجارية والأهلية في الضفة المحتلة بعد 2007، ولا يزال أهلها يعانون تبعاته بصفتهم مدينين على المدى البعيد.

أكثر من ذلك، تَعد الخطة بمشروع لتدشين سكة حديد تربط «الأراضي الفلسطينية» بعضها ببعض، وفي ما بين الدول المجاورة أيضاً. لكن تفاصيل السكة لم تناقش إمكانية الإنشاء أصلاً في سوريا ولبنان وحتى الأردن، وهل يمكن أن توافق هذه الدول بالفعل عليها، خاصة في ظلّ انعدام العلاقات بين سوريا ولبنان والاحتلال، وقبل هذا آلية ربط الضفة بغزة. من جهة أخرى، ترصد الخطة نحو 900 مليون دولار- على مدى 10 سنوات- لتطوير البنى التحتية في مناطق الوجود الفلسطيني، بينما تتناسى أن خسائر غزة جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة فقط، في تموز 2014، فاقت خمسة مليارات دولار، طبقاً لتقرير أعدّه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (أوتشا)، ومؤسسة شيلتر كلستر التي تراقب إعادة الإعمار، و«البنك الدولي»، وصدر في أيار 2016.

بعد كل هذا، يتجاهل كوشنر في خطته ربط تنمية السياحة الفلسطينية وترويجها بالتاريخ الفلسطيني الممتد وارتباطه بأديان عديدة، من خلال المسجد الأقصى وقبة الصخرة والمسجد الإبراهيمي وكنيستَي المهد والقيامة، وحتى قصر هشام بن عبد الملك وخان العمدان وضريح الباب وحدائق البهائيين، ليذهب إلى ربطها بمحال "الآيس كريم" والكنافة، إضافة إلى بعض الأطباق الشرقية التي يقدمها المطبخ الفلسطيني، ما يعدّ تسويقاً فاشلاً للسياحة في زمن طغت فيه العولمة وعبور الحدود.

ويتساءل المحللون، أياً يكن، ومن دون الخوض في مفاهيم التمسك بالمبادئ والتشبث بالأرض، هل يمكن أن تُسيل مثل هذه الخطة لعاب الفلسطينيين، وتدفعهم إلى قبولها، و«أوسلو» سبق أن وعدهم بما هو أفضل منها؟ بل هل يعقل أن تقدَّم «رؤية» مثلها في ظلّ معايشة معظم الأجيال الفلسطينية الحية لوعود «أوسلو»، ومشاهدتها نتائجه بالعيان؟