يوميات الرعايا وسيرة العبيد
وليد حسني
ليس مهما تماما ما تتلقاه الحكومة من نقد ينخر عظمها، وليس مهما أيضا أن لا تكون الحكومة مهتمة بالاستماع لمن يشتمها ويطالب برحيلها و"قصف أجلها" قبل أن تشيخ وتهرم ويردها الله الى "أرذل العمر" حتى لا تعلم من بعد علم شيئا.
هذا ليس مهما أبدا، فحال الرعايا ينبئ عن الرضا، والامتنان لحكومة قضت سنة واياما وهي تغزل سجادة الحلم الجميل امام رعايا لا يهتمون بالأحلام بقدر ما تقتلهم الوقائع ، فقد جرب "الرعايا العبيد" حكومات سابقة تركتهم ينكصون على اعقابهم ، بعد ان تقاطرت عليهم المحن ، وقلبت لهم ظهر المجن ، فتركت اولهم يصرخ في آخرهم"أنج سعد فقد هلك سعيد".
وبين "سعدٌ و"سعيد" ثمة ضفاف لا تكفل لك إستعادة صوابك، لكنها تسمح لك بالتحديق التائه في تفاصيل يومك، وشهرك، وربما سنتك ذاتها التي ستنسى فيها يوم ميلادك الجميل، فيفوتك عن غير قصد الإحتفال الرومانسي بذلك اليوم الذي لعنه المرحوم فريد الأطرش في بكائيته"عدت يا يوم مولدي ".
وليس مهما لدى الحكومة إن كنت مواطنا لا علاقة لك بكل ازمات المنطقة والإقليم ما دمت تحمد الله في السراء والضراء، فسياسة"الرضا" و"القناعة" جزء من تفاصيل الإيمان البهي، حتى وإن كان هذا"الرضا" ضد عجلة الحياة والطبيعة، والصراع، والمصالح، وتبادل الأدوار وتبدلها، وما دمتَ "الطيب من الرعية" فلك الخيار بالبقاء في خانة المواطن الجيد الذي يتحاشى السعال بالرغم من إصابته بالانفلونزا والتهاب القصبات والبواسير..الخ ولا خيارات أخرى لديك.
في الدارج اليومي ثمة تفاصيل إن ضممتها لبعضها البعض ستسمح لك ببناء خارطة لجغرافيا التيه والدوران في الفراغ، وهنا أستذكر بشغف كتاب نقد الفكر اليومي لمهدي عامل، .. لماذا يهجم علي هذا القتيل منذ صباح اليوم وكأنه يقاربني بالفكرة والحلم والصفح الجميل عن أيام لم يعشها.
منذ يومين وانا احدق في الدارج اليومي باعتباري مرعيا من جملة الرعية، خلتني وكأنني أحدق في تفاصيل فوضى خائبة، أو كأنني أشاهد مسرحية في غاية الغرابة والحمق، هذا اليومي الدارج يضرب بكامل قسوته وجبروته آخر ما تبقى للرعية الطيبة وللعبيد الطيبين من مآلات آمنة يحتمون بها.
في الشهر المتصرم وما تبقى له من أذيال في تفاصيل ايامه ما يتركك منشدها، فلا نزال نسمع أغنية الفساد والإفساد حتى عمت البلاد واقلقت الرعايا وأضجرت العبيد.
وفي الأيام المتصرمات كانت قضية مافيات الأدوية تتفاعل، وخلنا الدنيا معها ستمطر "لؤلؤا من نرجس"، حتى إذا ما تكشف اليوم عن مفرقه تبدت الكذبة الكبرى والخداع البذيء ليضربنا في عمق الثقة، فلا تجار الأدوية والصحة حققوا مطلب تخفيض أسعارهم، ولا الرعايا كفوا عن المرض والموت والفقر.
وفي اليوميات نفسها ما يشي باستمرار موسم العطش، وقطع المياه، وكأن الدنيا لم تمطرنا بما هو فوق حاجتنا من المياه في شتاء لا يزال قريب العهد منا، ولا احد يجيب الرعايا على صراخهم لماذا يتم تعطيشنا، واين تذهب مياه الله وهداياه.
وفي اليوميات ما يجعلك تسأل هل من الممكن احتمال كل هذا التخريب الذي تكشف عنه بؤس التعليم الجامعي وفضائحيته، وقبل ذلك التجارة بالتعليم الجامعي نفسه من رفع رسوم، وتمييز بين من هم امام القانون سواء.
ولم تتجافى اليوميات عن كشف تجار الدجاج واللحم الأبيض، فقرروا من تلقاء أنفسهم رفع الأسعار على الرعايا والعبيد، ولم نسمع من الحكومة همسا ولا حسا، حتى ذا ما نضج الدجاج على النار حتى طلع علينا تجار اللحوم برفع اسعار اللحم الأحمر، وشتان بين أحمر وابيض إلا بـ"البلوى".
وما دمنا لا زلنا في الحظيرة، وتحت ظلال سلطة التجار والمافيات، والقتلة الإقتصاديين فقد تكاتفت عصابات الالبان ومشتقات الحيوانات الداجنة وقرروا رفع اسعار الالبان ومشتقاتها، لتتزامن هذه الحالة مع انكشاف البيض الفاسد وما ادراك ما البيض الفاسد.
إن جولة صغيرة في يوميات الرعايا والعبيد ستكشف لك عن حجم القهر الذي يمارسه"القاتل الإقتصادي" الأردني على مواطنيه، فيما الحكومة لا تزال ترعى السواقي وتسال من فرط رومنسيتها إن كانت الرعايا لا تزال تستحم بالعطر وتشرب الفجر في كؤوس من أثير، بينما الرعايا والعبيد يكنسون الحظيرة بثيابهم الداخلية..