قصتان في فنجان البحث العلمي الجامعي
وليد حسني
ذات يوم قبل نحو سنتين اتصل بي صديق طالبا مني الالتقاء به في مكتبه على وجه السرعة لأنه يريد جمعي بأحد اساتذة الجامعات الأردنية الحكومية"لعل وعسى تجد بابا للعمل" كما قال صديقي.
ذهبت اليه على وجه السرعة، وهناك كان أستاذ جامعي يتخذ مكانه على مقعد وثير، قضينا ربما اقل من خمس دقائق في التعارف، ثم سألت صديقي مباشرة"لماذا أنا هنا؟".
كان فنجان القهوة الساخن الذي أعده صاحب الدعوة لا يزال يخسر بعض مكوناته بسبب التبخر البطيء" الاستاذ يريدك كتابة 10 ابحاث علمية محكمة ليحصل على درجة الأستاذية أو ليترفع الى درجة علمية" اجاب صديقي بسرعة وهو ينهي سكب الفنجان الثالث من قهوته التي تعبق برائحة الهال الأخضر الذي يحب إضافته الى قهوته.
سألت الأستاذ الجامعي عن ماهية الأبحاث التي يريدها ومضامينها، وتجاذبنا الحديث والنقاش باستفاضة لتتولد لدي قناعة بأن هذا الدكتور الذي يجلس أمامي مجرد كائن يخون نفسه والعلم والجامعة، قررت التسلية به، وابتدرته بسؤال مباشر "كم ستدفع على البحث دكتور؟.
أجابني بدون تردد أنا ومثل غيري من الدكاترة ندفع عشر دنانير على الصفحة، وانت تعرف ان البحث العلمي له قواعده واصوله وأسسه ومن الافضل ان لا يتجاوز 25 صفحة مطبوعة ومدققة".
قلت له "إن 250 دينار على البحث الواحد"، فقاعني قائلا" صحيح لكن انا سازيدك 50 دينار ليصبح المبلغ 300 دينار"، ضحكت قائلا له"هذا المبلغ لا يساوي شيئا دكتور، انت لم تدفع حتى ثمن كتابة البحث فما بالك باستحقاقات البحث الأخرى، ثم إنك تبحث عن درجة علمية؟"، وحتى أذهب به بعيدا لإسنكشاف خارته قلت له"ألبحث الواحد يكلفك 1500 دينار"، ، شعرت بأنه وقع في صدمة، قبل أن يجيبني "أف... انا مش عاوز أكتب رسالة دكتوراه".
وحتى أقطع الجلسة والحديث قلت له"دكتور تقبل اعتذاري انا لا اجيد كتابة الأبحاث العلمية المحكمة ".
انتهى اللقاء حتى انني لا اذكر اسم الاستاذ الجماعي لكن من المؤكد ان صديقي صاح الدعوة يتذكره تماما، وحين سيقرأ مقالتي عذع سيتصل بي لائما ومعاتبا سويقول لي وبالضرورة"ما لقيت غير هالموضوع تكتب فيه"، وسأرد عليه ضاحكا" الذكرى تبعث الذكرى يا صديقي".
هذه قصة حقيقية كنت انا احد اطرافها، اوردها هنا لتقديم صورة عن تعليمنا الجامعي بعد الذي وصلنا اليه، وبعد ان حددت الكويت وقطر مستوى جامعاتنا في اولقت الذي لا زلنا نعيش فيه في حالة نكران دائمة.
كان لي صديق موظف في مكتبة مشهورة قبالة الجامعة الأردني قبل العديد من السنوات الماضية، وكانت مهمته في المكتبة تاليف الكتب لأساتذة الجامعة الذين يأتونه ببضعة كتب تحمل اوراقا ملونه تحدد الفصول والصفحات التي يجب توصيرها ووإعادة طباعتها وإصدارها في كتاب يجمل اسم الدكتور المهيب كمنجز علمي يضاف الى ذخيرته الإبداعية.
هذا حال بعض اساتذة التعليم الجامعي في بلادنا، يوازيهم وبالضرورة أساتذة مبدعون وخلاقون ويمثلون علامات فارقة في عملهم واخلاقهم الأكاديمية والعلمية سيبقون مثار فخر واعتزاز بهم..
وبالضرورة المحضة فهذه بعض حالات المجتمع الذي لا يدعي الفضيلة المطلقة ولا يغرق أيضا في "رذائل المجتمع".