إيجابية قرار التقاعد
د. أيّوب أبو ديّة
ربما يكون قرار دولة رئيس الوزراء صائباً بإحالة جميع موظفي التقاعد المدني ممن بلغت خدمتهم ثلاثين عاماً على التقاعد، تليها تقاعدات اختيارية. وبالرغم من أن ذلك سوف يؤدي إلى صرف أموال هائلة من الضمان الاجتماعي ، ولكن ذلك له ميزات إيجابية تتمثل في ضخ أموال مهولة في السوق وتنشيط الاقتصاد الوطني الراكد ، فضلاً عن فوائد كثيرة للمتقاعدين والبيئة العامة (النفسية والطبيعية والاجتماعية وما اليها) سوف نناقش بعضها في هذا المقال.
عندما كنت في زيارة لليابان للاطلاع على موقع الكارثة النووية في فوكوشيما وما نتج عنها من دمار هائل على البيئة الطبيعية فاجأني أحد الأساتذة في الجامعة بقوله إنه على وشك التقاعد وبات يعد العدة حالياً لمغادرة طوكيو إلى أرضه في الريف ليعيد تأهيلها. وعندما سألته عن سبب مغادرة العاصمة التي تزخر بكل وسائل الراحة أجابني أنه لن يحصل على راتب التقاعد وفق القانون إلا بعد استصلاح أرضه وزراعتها بمحاصيل استراتيجية تنسجم مع الأمن الغذائي الياباني كالرز مثلاً. هذه كانت شروط التقاعد في اليابان عام 2015.
في الأردن، يمكننا على الأقل أن نحول أموال التقاعد إلى حسابات في الريف الأردني بدلاً من الفروع المتخمة في العاصمة، وأن نشترط زراعة أشجار مثمرة كالزيتون مثلاً وبعدد سنوات التقاعد، أي ستون شجرة على الأقل لكل متقاعد، بحيث يتم الكشف السنوي عليها للتحقق من أنها تلقى العناية الضرورية تماما كما يتم التاكد من ان المتقاعدين ما زالوا أحياء سنويا. وربما تزيد الحاجة الى زراعة عدد أكبر من الأشجار سنوياً لتغطية عدد أفراد أسرة المتقاعد الذين ساهموا في إطلاق الغازات الدفيئة عبر حياتهم على هذا الكوكب. أما أصحاب الأراضي الكبيرة التي تم شراؤها للاستثمار وتقع خارج الريف فإن المتقاعدين سوف يسعون إلى بيعها كيلا يطالبوا بزراعتها، وبذلك يتم تنشيط تجارة الأراضي.
ولا ينبغي أن يصاب المتقاعد بالجزع من فكرة التقاعد بعد اعتياده على نمط حياة معينة في مكان عمله التقليدي، فالآن، وبعد التقاعد، لديه فرصة رائعة لممارسة هواياته كالرياضة والرسم والسباحة وغيرها لتحسين صحته، وكذلك الشروع بأنشطة اقتصادية صغيرة قد تصبح مربحة، وربما السياحة في داخل الأردن للاستجمام أو العلاج، وهذا أيضاً ينشط الاقتصاد الوطن.
وهناك آثار إيجابية أخرى تتجاوز الجانب الصحي والنفسي والاقتصادي، إذ أن أثر التقاعد ربما يكون إيجابياً على البيئة بشكل عام، حيث من المتوقع أن يقل الازدحام المروري بانخفاض أعداد الموظفين وحركتهم، وربما تزيد كفاءَة الدوائر الحكومية نتيجة انخفاض أعداد الموظفين كذلك ، وبشكل عام سوف يؤدي إعادة استصلاح الأراضي إلى انعكاسات إيجابية على البيئة من حيث استهلاك الغازات الدفيئة وتلطيف درجة الحرارة ومنع انجراف التربة. فأولئك اللذين كان يعطوا الأولوية للوظيفة على زراعة أرضهم في الريف فقد حان الوقت لاستصلاحها وتسويتها لزراعتها والاستفادة من غلتها المباركة. فلا تكرهوا شيئاً علّه خير لكم!