(صلاة العيد) تجديد للعادات الحميدة وتعميق لأواصر العلاقات الاجتماعية
ارتفعت تكبيرات العيد بعد صلاة فجر اليوم الاربعاء وحتى شروق الشمس، وهو وقت صلاة العيد، فحملت سماعات المساجد تكبيرات العيد بأصوات المؤذنين والمصلين،في نغمة روحانية واحدة .
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، تكبيرات وصل صداها الى الاحياء المجاورة مضيفة جواً غير عادي مليئا بالحمد والرضا على احتفال المسلمين بقدوم عيد الفطرالسعيد .
لصلاة العيد لعائلة أبي هشام طعم آخر، فهو يواظب على أدائها منذ عشرات السنين في مسجد الهداية في ضاحية الرشيد في عمان يرافقه افراد عائلته واحفاده .
ففي ساعات الفجر الأولى يتسابق الأحفاد والأبناء الى بيت جدهم لمعايدته ومرافقته الى المسجد سيرا على الاقدام، مرددين تكبيرات العيد، والسعادة والفرحة تفيض من قلوبهم.
فيما تجد زوجته السبعينية أم هشام، صلاة العيد فرصة للقاء الأحبة والصحبة الطيبة من الجارات، فصحتها لا تسمح لها بزيارتهن في الأيام العادية، فتسعد برؤيتهن في يوم العيد، وتزداد فرحتها عند مشاركة الصغار قبل الكبار، بتوزيع الحلوى وكعك العيد الذي صنعته خصيصا لهذه المناسبة.
وفي نهاية الصلاة يتوق كل طفل للحصول على هداياهم، إذ يسعى أفراد الحي في نهاية الشهر الفضيل بجمع ما تيسر من المال، لشراء الهدايا، تحفيزاً على صلاة العيد، لإدخال المزيد من الفرحة في قلوبهم، احتفالا بالعيد.
ويصر أفراد العائلة على التجمع في بيت العائلة بعد صلاة العيد، لتناول وجبة الفطور، ومن ثم شرب القهوة السادة وتناول كعك العيد.
بعد ذلك يهمّ أبو هشام وأولاده وأحفاده للذهاب إلى الأقارب والجيران لمعايدتهم، ومشاركتهم فرحة العيد.
أما عائلة عبدالله البطوش (أبو أحمد) فيستنهضون عزائمهم لأداء صلاة العيد عند سماع صوت التكبيرات تصدح من المساجد المجاورة، ضمن طقوس محددة لا تتغير بتغير الزمن أو الظروف.
يقول البطوش : " لنا عادات وتقاليد في اليوم الأول والثاني والثالث من العيد نشأنا عليها منذ ان كنا صغارا، ونشأ عليها أبناءنا ومن ثم أحفادنا.
ويضيف :" نتوجه لأداء صلاة العيد في مسجد التقوى في منطقة الهاشمي الشمالي منذ أكثر من اربعين عاما، تلتقي فيه جميع افراد العائلة على اختلاف مناطق سكناها، مشيرا الى انه حتى اخوتنا المغتربين وعائلاتهم، يتوجهون الى ذات المسجد لأداء صلاة العيد وتبادل.
"تعلو فرحة العيد ملامحنا عند سماع صوت التكبيرات" يقول ابو احمد، "وعند لقاء أفراد العائلة وبعد انتهاء خطبة العيد نتصافح مهنئين، ويبدأ توزيع الحلوى والقهوة على المصلين".
"ولا يوجد ما هو أجمل من منظر أحفادنا وحفيداتنا الصغار وهم يلبسون ثياب الصلاة، كأنهم ملائكة تظهر عليهم فرحة العيد"، حسب تعبيره. "ثم تتوجه العائلة كلها سيرا على الأقدام إلى بيت (الحج والحجة)" يقول ابو أحمد، نتسامر على الطريق لنعايد على الوالد والوالدة من الأكبر إلى الأصغر، ثم تبدأ النساء بتحضير مائدة الفطور المعتادة، ومكونها الرئيسي طبق اللحم المقلي، اضافة الى حواضر البيت التي لا غنى عنها، بعدها يجول رجال العائلة على بيوت الأخوة والجيران إلى آخر نهار اول أيام العيد.
وفي اليوم التالي نجتمع في بيت العائلة مجددا، نستقبل الضيوف ونسهر إلى آخر الليل معا.
رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة اليرموك الدكتور عبد الباسط العزام يقول، ان حقيقة العيد هي مشاعر قائمة بذاتها ففيها تزاور بين صلة الرحم والأقارب، والتقارب بين أبناء الحي وحل المشاكل إن وجدت، ففي العيد وصلاة العيد فرصة لتقريب القلوب وصفاء لها وزيادة مشاعر الألفة والود والمودة والتآخي فيما بينهم.
" والعيد فرصة لايجاد مساحة كبيرة لصفاء القلوب بين الناس وردمِ المشاكل ورأب الخلافات، وزيادة الاحترام والتقدير، والتقارب الوجداني بين الأزواج والأبناء والأقارب " يقول الدكتور العزام .
ويوضح انه في هذا اليوم تنتقل خصائص وسمات السلف الى الخلف، الذي يتجمع فيه الأخوة وأبناء العمومة بعد صلاة العيد للانطلاق لزيارة الأقارب وتبادل مشاعر الفرح والسعادة وبهذا تتجدد العادات الحميدة من خلال التنشئة الاجتماعية وتتعمق بآليات الضبط الاجتماعي، من خلال المحافظة على العادات بتقديم الحلوى والكعك ونقل الاخلاق الحميدة .
ويضيف ان ذلك مرتبط بفلسفة المكانة وأداء الدور، وتعميق الحصول على المكانة لدى الأبناء بطريقة أخلاقية تعبر عن الأمانة وحقوق القانون والفلسفة والأخلاق العامة، فهي نوع من التكافل والتضامن المجتمعي.
أمين عام دائرة الافتاء العام فضيلة الدكتور أحمد الحسنات قال، ان صلاة العيد سنة شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين، عملا بقوله تعالى: "فصلِّ لربك وانحر"، فدعا الناس رجالا ونساء، صغارا وكبارا، لأدائها وحضور خطبتها.
وأوضح ان الحكمة من سن صلاة العيد، هي إشاعة المحبة والتآلف بين الناس، وتذكيرهم بصلة الرحم وأداء زكاتهم، عدا عن أثرها في تقوية أواصر المجتمع، فهي أحد أهم مظاهر التكاتف والتعاون.
وأشارإلى ان العيد ظاهرة اجتماعية دينية، تراعي فطرة الإنسان القائمة على حاجته للاجتماع مع الناس والتواصل معهم، خاصة في ظل متاعب الحياة ومشاغلها، فيكون العيد فرصة للترويح عن النفس وتجديد طاقة الفرد، لانطلاقه بشكل سوي ومتوازن من جديد.
وأضاف الحسنات ان الإسلام يلبى هذه الرغبة الطبيعية لدى الإنسان فى التواصل مع الآخرين، ويتجاوب مع هذه الفطرة الإنسانية في كثير من العبادات خاصة في الصلوات والحج، ويعمل على توطيد العلاقات الاجتماعية وإذابة الفروقات بينهم، يقول عز وجل: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وأشار الحسنات إلى ان الاسلام حث على الاحتفاء بأيام الأعياد ومشاركة الناس أفراحهم وبهجتهم، لتبدو للأعياد مكانتها المميزة عن سائر الأيام، فالعيد مظهر يشيع السعادة والبهجة بين الناس، ويقوى معانى الألفة والمودة بينهم، من خلال تبادل الزيارات والتهانى والدعوات، وبذل الهدايا والأعطيات للصغار والمحرومين.
وصلاة عيد الفطر تبدأ في الأول من شوال ولقد واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وحث الرجال والنساء على أدائها، لما فيها من أجر وثواب عظيمين، وفيها شكر لله وتعظيم لشعائره.
--(بترا)