سيدة الأرض.. سيرة النكبة داخل منزل أم فلسطينية

 القدس المحتلة-وكالات

مع نهاية عام 2017، كانت حبات عائلة أبو حميد تفتقد 4 من أبنائها، بأحكام مؤبدة، غير أن ذلك لم يكن كافيًا في أعين قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومع مطلع عام 2018 كانت الأسرة مع موعد جديد للتكدير "اعتقلوا أخويا جهاد إداري ولحد اليوم بيتجدد حبسه بلا تهمة لمجرد إنه ابن أبو حميد". مع كل أزمة في المنطقة يكون منزل الست لطيفة هو هدف الجنود الإسرائيليين، لذا حين قُتل جندي بجوار مخيم الأمعري في يونيو من العام الماضي -بعد خمسة أشهر من اعتقال جهاد- كانت قوات الاحتلال تملأ أركان المنزل البسيط "أي حاجة بتحصل حوالينا ييجوا على بيتنا وكأننا محطة المقاومين" تسرد فلسطين تفاصيل اعتقال شقيقها السادس إسلام. عادت القوات تنتهك البيت من جديد، "كنا نايمين ولقيناهم مفجرين الباب وداخلين. هجموا على إسلام وحملوه وهو نايم وحطوا العصبة على عينيه وكأنه خرج من نومة بيته للسجن الكبير"، بألم تستعيد فلسطين اعتقال أقرب الأشقاء إليها، وعودته بعد أسبوع يلازمه نحو 7 جنود، فيما يقول كبيرهم للسيدة لطيفة "هاي ابنك قتل جندي بحجر".

ربما لم تلتقِ الست لطيفة بالشاعر أحمد فؤاد نجم يوما، فيما يبدو أن قصيدة "الممنوعات" تنطبق عليها بالحرف؛ فهي في سبيل فلسطين صارت ممنوعة من كل شيء، السفر، الغنا، الكلام، الاشتياق والاستياء "محرم عليا رؤية أولادي.. الصهاينة ما بيكفيهم الاعتقال والموت، كمان مش قادرة أملي عيني منهم"، 4 من الأبناء في سجن عسقلان واثنان في سجن عوفر، نحو خمس سنوات كاملة حُرم فيها آل أبو حميد من رؤية ذويهم القابعين خلف القضبان، حتى عام 2013 قبل رحيل الأب مباشرة "كان المحامي بس هو اللي بيطمنا، وبنبعت لهم رسالة واحدة: إحنا الحمد لله بخير وإنكم أبطال، فكونوا على العهد". في السجن يُنتزع كل شيء ولا يعود إلا بالانتزاع كذلك. صورة ظفرت بها أسرة أبو حميد من الاحتلال، جمعت الأب والأم والأبناء الأربعة المحتجزين وقتها داخل السجن، في زيارة استثنائية أواخر إبريل 2013، وبعد مطالبات لسنوات وضغط الجهات الحقوقية، ذهب الوالد القعيد بسيارة الإسعاف ليرى أبناءه الأسرى جميعًا للمرة الأخيرة، ففي 13 ديسمبر 2014 رحل محمد يوسف ناجي أبو حميد، فيما ظل ينادي حتى الرمق الأخير بأسماء أولاده. غاب الوالد عن الدنيا ويغيب الأبناء لوقت غير معلوم، بينما يبقى الأثر "كان في فترة بيقاوم المحتل هم أخدوا هذا عن والدهم كان قدوة إلهم" تفتخر الخالة لطيفة، فيما توضح أن أصوله تعود لغزة قبل أن تهاجر أسرته في 48 بينما هو ابن 13 عامًا.

الست لطيفة لم تكن الأولى في فلسطين التي يُعتقل جميع أبناؤها في سجون الاحتلال، بحسب عبدالناصر فروانة، رئيس وحدة الدراسات والتوثيق بهيئة الأسرى الفلسطينيين، ويعدد فروانة لمصراوي نماذج شتى أبرزها الحاجة ربحية القني "أم مازن" ، من قرية كفر قليل جنوب نابلس، التي تمنت أن ترى أبناءها الخمسة المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي وقد جمع الله شملهم في سجن واحد لتتمكن من زيارتهم معاً، لكن الموت خطفها عام 2009 قبل أن تتحقق أمنيتها وقبل أن يتحرر أبناؤها. فيما يوضح أن الست لطيفة تمتاز عن غيرها من الأمهات من حيث صلابة الإرادة وقوة العزيمة والقدرة على التحمل. مشيرا إلى أن أبناءها العشرة كانوا داخل سجن في وقت متزامن قبل سنوات "ولم تهتز أو تنكسر.. هي شامخة كالسنديان وجبال فلسطين وصلبة كالصخر لن تلين، وما زالت تمدنا بجرعات من المعنويات ومنها نتسلح بالأمل".