"لمّة العيلة": رمضان ينكأ مواجع لاجئين سوريين

تحوم صورة "لمّة العيلة" على مائدة رمضان في نواظر مَدْيَنْ الحَوراني وزوجته وأبنائهما الأربعة، فينبعث حزن وشوق لوطنهم السوري الذي غادروه مكرهين قبل ثماني سنوات هي عمر ازمة البلد الشقيق.
"وانت خارج وطنك كل شيء يفقد معناه" يقول مَدْيَنْ الذي يستحضر "خير سوريا ومائدة الافطار السحرية"، التي تبدلت بين ليلة وضحاها إلى مائدة لجوء صعبة وقاسية.

على باب منزل بسيط في مزرعة بإحدى القرى الأردنية شمال محافظة الزرقاء ينتظر مَدْيَنْ الحَوراني واسرته، موعد أذان المغرب، ليجتمعوا على مائدة إفطار لا تشبه تلك التي الغنية التي كانت في "انخل" بمحافظة درعا قبل سنوات عدة.
يقول مَدْيَن لوكالة الانباء الأردنية (بترا)، "قبل ست سنوات غادرنا أنا وزوجتي بيتنا بسبب الأحداث التي عصفت بالبلاد، وقتها لم نأخذ شيئا والتزمنا فقط بالقليل جدا، قلت لزوجتي حينها شهر وراجعين إن شاء الله، لكن الشهر أصبح شهورا وسنوات، وتبدلت احوالنا وموائدنا، وما زال المصير مجهولا حتى اليوم" .

يصف مَدْيَن مائدة إفطار اللجوء في بيته ذي الغرفتين، وقال إنها "أصبحت تقتصر على نوع واحد فقط قليل الثمن، وتلتزم الزوجة بميزانية شحيحة جدا، وهذا النوع يكون في كثير من الأيام "الحمص والفلافل، ولا نتجاوز ذلك كثيرا".

"قلاية بندورة اليوم" يقول مَدْيَن عن افطاره في اليوم الثامن من رمضان، مبينا أنه ومنذ مغادرة بلاده إلى الأردن الذي لم يكن يعلم عنه شيئا، كانت مائدة اللجوء حاضرة وهي مختلفة وقاسية وصعبة عن مائدة الوطن التي كانت زاخرة بالأنواع ومنتجات أرضه التي كان يعمل بها 40 عاملا". يقتنع مَدْيَن بأنَّ مائدة الوطن مهما كانت هي مليئة بالخيرات، حيث يذكر عادات تبادل الأكل المنتشرة بين سكان مدينته التي يصل عدد سكانها الى خمسين ألف نسمة، هذه العادات يفتقدها اليوم مثلما يفتقد بلاده. أم عماد زوجة مدين، تشير إلى أنَّ "قلاية البندورة" نعمة من الله، لكنها علمتنا كم هو ضروري جدا أن يحافظ الناسُ على بلادهم، واصفة مائدة افطار رمضان في بيت أهلها وزوجها قبل الرحيل عنها بأنها كبيرة وممتدة ومليئة بمنتجات أرضهم. وتضيف أم عماد أن "صينية البطاطا والفروج والكفتة" كانت طبقا رئيسا على مائدتهم في قريتهم إنخل، وحولها أصناف متعددة تماما مثل مائدة الأردني هذه الأيام التي مهما كانت أوضاع العائلات صعبة الا أنها زاخرة ومتنوعة ويأتيها المدد من كل الجيران وسكان الحي. وتبين أن الحياة اختلفت معها كثيرا وأصبحت صعبة جدا، وفي رمضان تحديدا المائدة مقيدة بمستوى الدخل الوارد الى المنزل، ولا دخل يأتي إلا من راتب الزوج، الذي يجب ان يوزع على أربعة أطفال وزوج وزوجة، وحياة يومية معرضون فيها للمرض والحاجة. 
يشار إلى أن ملايين السوريين غادروا بلادهم مطلع العام 2011 بعد اضطرابات عصفت بالبلاد أدت الى مقتل الآلاف وتشرد الكثيرين حول العالم، في أحداث ما أطلق عليه عبثا "الربيع العربي"، وبعد ثماني سنوات ما يزال المصير مجهولا، والعودة محدودة جدا. الأرقام الرسمية الأردنية تقول إن عدد سكان المملكة بلغ نحو 5ر9 مليون نسمة بحسب نتائج التعداد العام للسكان والمساكن لعام 2015، منهم 6 ملايين و613 أردنيا، أي ما نسبته 4ر69 بالمئة، فيما يشكل غير الأردنيين حوالي 6ر30 بالمئة من إجمالي عدد السكان، نصفهم تقريباً من السوريين الذين بلغ عددهم حوالي مليون و266 ألف شخص.

وتقول أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من 80 من اللاجئين السوريين يعيشون خارج المخيمات التي أقيمت لهم في الأردن، وعدد كبير منهم استُنزفت مواردهم ومدخراتهم وارتفعت ديونهم؛ وكشف إطار تقييم أوجه الضعف أن أكثر من 85 بالمئة من الأسر السورية اللاجئة في الأردن تعيش تحت خط الفقر.

ولا يقتصر الأمر على اللاجئين السوريين، فالأردن يستضيف موجات من اللاجئين من عدة دول ما جعله أكبر دولة مستضيفة للاجئين في العالم بحجم 3 ملايين لاجئ حوالي نصفهم دون سن الثامنة عشرة، وهو ما ترك أثرا ماليا سلبيا على موازنة المملكة بسبب الكلفة التي تحملتها خلال الفترة من 2012 وحتى نهاية العام 2016 والتي قدرت بحوالي 6ر10 مليار دولار أميركي في حين قدرت التكلفة السنوية غير المباشرة السنوية بناء على دراسة أعدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بحوالي 1ر3 - 5ر3 مليار دولار.

بترا