فساد لا يليق بالصيادلة..

 وليد حسني

 تلقيت امس الاول خمس علب دواء قدمت من تركيا بقيمة اجمالية بلغت 50 دينارا، بينما يبلغ ثمنها مجتمعة لدى مافيات الدواء في الأردن 290 دينارا بواقع 58 دينارا للعلبة الواحدة.

 نفس الشركة الاوروبية المنتجة، ونفس العلبة، لكن الفارق كبير بين تاجر دواء  لا يهمه غير جيبه وإشباع روحه "الشيلوكية الجشعة"، وبين تاجر دواء آخر يعمل ويربح دون ان يمتطي ظهور الناس ويبيعهم وطنية، بل ويحملهم ما لا يحتملونه من"جمايل" لكونه تاجر دواء، لا يهمه غير ربحه الوفير.

 

بالأمس كان احد ارباب تجارة الدواء يقول بالفم الملآن "لا يهمني المواطن"، وأنا أصدقه بلا تردد فالرجل لم يكذب أبدا بل كان واضحا تماما وعبر عن مسيرته الإستثمارية فالمواطن مجرد مستهلك عليه ان يدفع ما يقرره هو لا ما تقرره مصلحة المواطن.

 

مافيات الأدوية في الأردن يمثلون طبقة مكتملة تماما يتوافقون على الربح الفاحش، ويتناوبون الإحتكارات غير النبيلة، ولا يقتربون كثيرا من قيم إنسانية الإنسان وحاجته للدواء، والأنكى من ذلك كله أن نقابة الصيادلة التي يتوجب عليها الإنحياز للمواطن ولمصالحه حفاظا على قدسية مهنة الصيدلة نراها تحتكم لمافيات الأدوية، وتخدم مصالحهم، وتعزز احتكاراتهم دون النظر للمواطن"فالمواطن لا يهمني" تقول نقابة الصيادلة ذلك بكل اطمئنان لانها تخضع لقوى الظل من اصحاب الصيدليات المتسلسلة، ومن أصحاب مستودعات الأدوية ومستورديها، ومافيات الإحتكارات الدوائية.

 

إن الحديث عن الفساد  وحصره في القطاع العام ظالم تماما، ومجحف بحق طبقة الفاسدين ، ومن الواضح لكل ذي بصيرة ان الفساد في القطاع الخاص أوسع واخطر وأكثر شراهة وشراسة مما يتوقعه احد، وهو في شكله ومضمونه يصل لكل الجغرافيا المهنية دون استثناء بدءا بالمهن النبيلة وانتهاء بالمهن الصغيرة من ارباب الصنائع.

 

الفساد في الاردن لم يعد منحصرا في القطاع العام بل امتد الى كل مرافق المجتمع، ولا أغالي إذا قلت إن من أسس للفساد ودعمه وعمل على تسمينه هو القطاع الخاص الذي يرتبط بالقطاع الحكومي بمشاريع اعمال ومصالح وعلاقات تجارية من توريد واستيراد، وبعض تجار الأدوية ساهموا بتسمين مؤسسة الفساد في القطاعين العام والخاص انحيازا لجشعهم، وحفاظا على مصالحهم.

 

بعض تجار الأدوية لا يهمهم المواطن من قريب او بعيد، ولدينا عشرات الأمثلة على السلوك"الشيلوكي" لبعض أصحاب المستودعات والتجار الكبار والصغار، فهم يوردون الأدوية للقطاع الحكومي باضعاف أسعارها، ولا يتوانون بالطبع عن وضع التسعيرة التي يرون انها تكفل لهم الربح السريع، بينما لا تزال نقابة الصيادلة تخادع المواطنين وتقول انها هي من تتولى تسعير الأدوية وهذا اختلاق لا تسنده الوقائع ولا تحتمله أطراف الحقيقة.

 

ولأضرب مثالا شخصيا فقط، فالدواء الذي وصلني ثمنه في تركيا نحو 9 دنانير ونصف، وهذا الدواء كنت أشتريه من صيدليات عمان المتسلسلة بأسعار متفاوته، ما بين 58 دينارا الى 48 دينارا، وفي شهر أذار الماضي نجحت بالحصول على عرض جيد واشتريته بــ 43 دينارا.

 

إن احد مظاهر الفساد في بلدنا تتمثل بتجارة الأدوية ودهاقينها، والواجب الوطني يحتم على الدولة وعلى كل مواطن فضح جشع بعض تجار الأدوية الذين يتحكمون بمصائر العباد وبصحتهم، وبحاجتهم للعلاج.

 

ولا بد للدولة ان تعي تماما انها لا يمكنها الحفاظ على كوننا في مقدمة الدول العربية في السياحة العلاجية دون فتح ملفات الإحتكارات الدوائية والأسعار الباهظة المبالغ فيها، فالأدوية ثاني أركان السياحة العلاجية بعد الطب والأطباء، ولنا تجربة مؤلمة أثرت على سمعتنا كثيرا قبل سنوات عندما استشرت مافيات الطب خاصة تلك المتعلقة بمعاجلة الأشقاء العرب الموفدين من حكومات بلادهم...//