موازنات الأحزاب والتمويل السياسي

  وليد حسني

تنشط الحكومة عبر وزارة التنمية السياسية لتعديل نظام تمويل الاحزاب بحيث يتم ربط التمويل وقيمته بشروط تراها حزمة الأحزاب الحالية اكثر من قاسية، بل وتهددها في وجودها واستمرارها إن أقرت تلك التعديلات مستقبلا.

 

منذ ان أقرت الحكومة مبدأ التمويل العمومي للأحزاب سنة 2007 وصدور نظام التمويل سنة 2008 بدفع مبلغ 50 الف دينار لكل حزب تدفع مرتين في السنة، والأحزاب تتكاثر وتتوالد بهدف الحصول على ذلك المبلغ دون ان يتم توظيفه من قبل الأحزاب في تنمية عملها والدعاية لها واكتساب المؤيدين.

 

وبالرغم من التعديلات التي اجريت على قانون الأحزاب سنة 2015 وصدور نظام التمويل سنة 2016 فان القانون بتعديلاته الأخيرة لم يلزم الأحزاب باعتماد سياسة الشفافية والإفصاح الطوعي عن موازناتها السنوية وهو ما يشكل إثما وجريمة تخالف أبسط أنظمة التمويل العمومي او السياسي للأحزاب.

 

ربما يكون على الحكومة في تعديلاتها المقبلة ان تفرض على الأحزاب التي تتلقى تمويلا من الموازنة العامة للدولة أن تنشر موازناتها السنوية في وسائل الإعلام لإطلاع الجمهور عليها ولمعرفة اين تصرف تلك الأموال التي تدفع من الموازنة العامة للدولة بمعنى أن هذا التمويل المالي يدفعه المواطنون من الضرائب التي تحصلها الدولة منهم ومن حقهم معرفة اين وكيف يتم التصرف بها.

 

هذه هي إحدى أبرز الإشكاليات التي تهيمن على ما يمكن أن أسميه "فوضى التمويل السياسي للأحزاب" فحتى هذه اللحظة وعبر السنوات الماضية لم يتجرأ أي حزب على نشر موازنته أمام دافعي الضرائب للتحقق مما إذا كانت وجوه صرف هذا الدعم تمت في الأوجه المتوخاة من نظام التمويل أم لا؟.

 

ذات سنة مضت تبادل حزبيون الإتهامات حول استخدام التمويل لخدمة القيادات الحزبية، بعضهم اشترى بها سيارة فارهة، والبعض الآخر خصص جانبا منها للصرف على موظفين تمت تسميتهم كمشغلين للمقرات الحزبية لنكتشف أن هؤلاء هم أبناء أو اقرباء للأمين العام للحزب الفلاني...الخ.

 

معضلة التمويل السياسي العمومي للاحزاب في الأردن لا تزال بحاجة للمزيد من الشفافية والمكاشفة بالافصاح الطوعي من قبل الحزب نفسه، إلا ان هذا الأمر يبدو انه لا يزال الغائب الأكبر عن هم الأحزاب واهتمام الحكومة بالرغم من انه حق لكل مواطن للحصول على معلومات تتعلق بأوجه صرف أمواله الضريبية ووجوه إنفاقها.

 

المجال هنا مفتوح على مصراعيه للحديث في هذا الملف الهام جدا، فبناء قيم الافصاح الذاتي لدى الأحزاب، وتنمية الديمقراطية الداخلية والمكاشفة الطوعية كلها مجتمعة تمثل أحد أبرز مطالب الإصلاح السياسي الحزبي في الأردن قبل الحديث عن أية اهتمامات أخرى قد تجد لها مكانها في مشروع تعديل قانون الأحزاب المقبل.

 

إن ما تتحدث الحكومة عنه حول ربط التمويل بمدى حصول الأحزاب على مقاعد في البرلمان أو نسبة أصوات في الانتخابات، وحتى عدد المقرات والكسب الحزبي السنوي، ومدى تمثيل المرأة ومراعاة النوع الإجتماعي في العمل الحزبي قيادة وعضوية، إلى آخر منظومة مشاريع الأفكار التي لا تزال في حالة فوضى على طاولة التفكير الحكومي فإنها جميعها يجب ان تتم دراستها بعناية وشفافية أبعد بكثير من النوايا المعلبة تجاه الأحزاب والتي لا تزال نيئة ولم تدخل مرحلة الطبخ والإنضاج.

 

إن أول اولويات الحكومة في تعديل قانون الأحزاب ونظام التمويل العمومي أن تبدأ من هناك من قاعدة الإفصاح الطوعي او الإلزامي للاحزاب عن موازناتها السنوية ونشرها للعموم، التزاما على الاقل بقانون ضمان حق الحصول على المعلومات اولا، والتزاما من الأردن بكل المواثيق والاتفاقيات الأممية المتعلقة بمكافحة الفساد ، ومبادىء الحاكمية الرشيدة، فكلها مجتمعة تمثل منظومة واحدة من منظومة الإصلاح السياسي في بلادنا، وبغير ذلك فسنبقى نراوح مكاننا الرث.//