الأُردن على حافّة الحرب.. و”لاءات” عاهِله الثّلاث تعكِس رفضًا للوطن البديل مهما كلّف الأمر.. هل كشف له بومبيو وكوشنر عن تفاصيل “صفقة القرن” أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن؟ وهل إلغاء اتفاقيّة الغاز سيكون عود الثِّقاب الذي يُفجِّر حالة الغضب والاحتِقان في البَلد؟

الانباط 

التَقينا في هذهِ الصّحيفة العاهل الأُردني الملك عبد الله الثاني عدّة مرّات طِوال السّنوات الماضية، ولكنّنا لم نره على هذه الدّرجة من القَلق على وضع الأُردن ومُستقبله مثلما كان عليه حاله أثناء اللّقاء الأخير في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، والسّبب في ذلك ما تتضمّنه “صفقة القرن” من بُنودٍ يُمكن أن تُحوّل الأُردن إلى “وطنٍ بديلٍ” وإحداث تغيير في تركيبته السكّانيّة، وصيغته السياسيّة.

التّصريحات “الناريّة” التي أدلى بها العاهل الأُردني قبل يومين وأكّد فيها “لاءاته الثّلاث”، أيّ “لا” للتّنازل عن القدس المحتلة، و”لا” للوطن البديل، و”لا” ثالثة للتوطين، تُؤكّد لنا مُجدّدًا ليس وجود ضُغوط أمريكيّة وإسرائيليّة في هذا المِضمار، وإنّما وجود رغبة لديه بالتّصدّي لها حتى لو وصل الأمر إلى اللّجوء للخِيار العسكريّ في نِهاية المطاف.

قبل الغزو الأمريكيّ للعِراق عام 2003 بشهرين، كان العاهل الأردني عائِد للتّو من زيارة للولايات المتحدة الأمريكيّة، وكان يخشى أن يستغل إرييل شارون هذه الحرب ويقوم بتهجير الملايين من أهل الضفّة الغربيّة إلى الأردن، وقال لنا بالحرف الواحد إنّه لو أقدم على هذه الخُطوة، أيّ شارون، فإنّه سيُعلن الحرب، ومن حُسن الحظ أنّ الرئيس الأمريكيّ جورج بوش الابن تعهّد بعدم حُدوث مِثل هذا التّهجير، ووفَى بالعَهد.

التّاريخ يُعيد نفسه، ولكن مع وجود تواطُؤ عربيّ، ونقولها بكُل مرارة، مع صفقة القرن المسمومة هذه، التي لو جرى تطبيقها سيكون الشّعبان الشّقيقان الأُردني والفِلسطينيّ من أبرز ضحاياها، ولهذا يشهد الأردن انتفاضةً سياسيّةً، ربّما تتحوّل إلى عسكريّةٍ.

الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، وبعد أن اعترف بالقدس المحتلة، عاصمةً أبديّةً للدولة الإسرائيليّة، ونقل سفارة بلاده إليها، ها هو يُسارع بالاعتراف بهضبة الجولان السوريّة التي جرى احتلالها عام 1967 كأرضٍ إسرائيليّةٍ، وليس من المُستبعد أن تكون الخُطوة التّالية “تشريع” ضم الضفّة الغربيّة بالأُسلوب نفسه، وتهجير ملايين الفِلسطينيين إلى الأُردن بالقُوّة، لأنّ الإسرائيليين يُريدونها بدون شعب.

مجلس النوّاب الأُردني صوّت بالإجماع ولأوّل مرّة في تاريخه على رفض اتفاقيّة استيراد الغاز من فِلسطين المحتلة، وطالب بإلغائها، وإغلاق السفارة الإسرائيليّة في عمّان، وتحمّل كُل التّبعات الماليّة النّاجمة عن هذا الإلغاء مهما كانت كُلفتها، وقال السيد عاطف الطراونة، رئيس مجلس النواب، إنّ اتفاقيّة الغاز هذه مرفوضة برلمانيًّا وشعبيًّا، وعدم الالتزام بأيّ فتوى قانونيّة تصدُر عن المحكمة الدستوريّة تُعارض هذا الإلغاء.

هذا الموقف الوطنيّ الأُردنيّ الذي صدر عن المُستويين الملكيّ والشعبيّ معًا، يستحق التّقدير والدّعم، في زمن ساد الاعتقاد لدى الإسرائيليين والأمريكيين أنّ العرب لا يستحقّون غير الاحتِقار والهوان، لأنّهم فقدوا كرامتهم، وباتوا مُستعدّين للتّجاوب مع أيّ إملاءات أمريكيّة وإسرائيليّة وتقديم أيّ تنازلات في هذا الصّدد.

نحن في هذه الصحيفة “رأي اليوم” لا نتردّد لحظةً في دعم هذا الموقف الأُردني الشّجاع على المُستويين الرسميّ والشعبيّ، الذي يتمسّك بالوحدة الوطنيّة، ورفض هذه الإملاءات، والاستِعداد للّجوء إلى الحرب إذا جرت أيّ مُحاولة لفرضِها بالقُوّة.

الأُردن ساير كثيرًا، وحاول تجنُّب المُواجهة، ولكن عندما تصِل السكّين إلى العظم، فإنّه لا مكان للمُسايرة على حِساب الثّوابت الوطنيّة.

في اللّقاء الأخير مع العاهل الأُردني في قصره على أطراف العاصمة، قال لنا بالحرف الواحد، “زمن التسوّل انتهى إلى الأبد، ولن أُفرّط بالقدس والوصاية الهاشميّة عليها مهما كان الثّمن”، كما قال لنا الكثير الذي لا نستطيع قوله، لأنّه لم يُعطِنا الإذن بذلك.

راقِبوا الأُردن الذي يعيش حالة غليان رسميّ وشعبيّ غير مسبوقة، ورُدود فِعله في الأيّام المُقبلة التي ستحمِل العديد من المُفاجآت.. واللُه أعلم.

“رأي اليوم”