بمناسبة عيد الأم
ليس على سبيل النكد. بل على سبيل الذكريات:
هل تعرفون القُصيبة ؟!. أنا أحسد من لا يعرفها، وأحسد من يعرفها أيضا ( حاسود باسود ) ، فقد ولدت والقصيبة ( تدلك ) جسدي وعشت والقصيبة تدلّكني ، وقد أموت على أنغام تدليلك القصّيبة.
استدرك أولا؛ فالقصيبة جهاز طويل جداً ينبت في المستنقعات أو على حواف جداول المياه، وله استخدامات جمة وهو يختلف عن الخيزران في أنه مفرغ من الداخل واقل أذى، لكنه، وعن تجربة، أكثر فعالية.
نحن الصغار كنا نستخدم القصيبة لأغراض أقل سوءاً، إذ كنا نصنع منها طائرات ورقية بعد ان نلصقها بالعجين مع الخيطان وشوالات الاسمنت الفارغة، ثم نربطها بخيوط طويلة ونصنع لها ذيلاً من الشرائط الزاهية، وكانت نادراً ما تطير بشكل جيد. وإذا طارت كانت سرعان ما تتعلق بأسلاك الكهرباء وتعانقها بكل شغف رافضة النزول إلى البر ثانية، وكان بعض الموسيقيين منا يصنع منها ( شبابّة ) تصدر اصواتاً ناشزة من تحت أصابعنا الوسخة .
أما الوالدة الرؤوم، فقد كانت تتأبط جهازها الفتاك كما يتأبط الأعرابي شبريته والجندي مسدسه والطالب كتبه والعازف قيثارته .. كانت امي جميع هؤلاء.
السبب المعلن وراء تأبط أمي لقصيبتها كان التعذر بكش الدجاج عن مدخل البيت ومعاقبة الديوك المتقاعسة عن أداء واجباتها الزوجية (فياغرا بدائية). ولا يعدم الأمر أيضاً من استخدامات سليمة أخرى، إذ كانت تستخدمها في تنفيش الصوف، بعد ان تتغير الفرشة إلى حال الصلابة أثر تكرار (الرطّ) عليها من قبلنا نحن الأطفال نتيجة البرد والخوف وقلة الملابس.
ما علينا ؟؟!! لكنها كانت تستخدمها-القصيبة-في تدليكنا، وكنا نستحق ذلك إثر عبثنا بموجودات البيت والحوش وحنفية الماء الخارجية وما شابهها من تفاهات، لكنها هذه المناطق كانت في ذات الوقت مدينة ملاهينا قبل ان نتعرف على مزايا ( مزبلة طنوس ) في الترفيه الجماعي لأطفال الحارة كافةً.
اقسم لكم ان أمي كانت تجيد تقصي وتحديد الإحداثيات ومعرفة المحورين السيني والصادي، مع أنها (أمية) تماماً، إذ كنت اهرب إلى غرفة زوجة أبي(أمي مرثا) التي لا تتحاكى مع جناب الوالدة ، لذلك كانت أمي تعمد إلى الوقوف في باب الغرفة و ( سمطي ) بالقصيبة أينما هربت ، حتى حينما كنت أحاول الاختباء في الزاوية اليسرى للبيت ، اقسم ان أمي كانت تصيبني أينما شاءت دون ان تراني عن طريق حساب افتراضي للإحداثيات . وأدين حتى الآن بالفضل إلى أنفي الطويل الذي كان يتلقى صدمات الوجه ، إذ لولاه لكنت أعمى ،أو مقلوع العين ،على الأقل، جراء قصف القصيبية غير العشوائي.
طبعاً كانت أمي تستخدم القصيبة في (الحمّام) . حمامنا كان على طريقة ( اللقن ) وكنا نحاول التهرب منه نظراً للقسوة التي تفرك فيها أمي ( القشب ) عن أجسادنا ، لذلك فقد كانت القصيبة تشتغل، مما يضطرنا إلى العودة خاضعين إلى لقن المفاوضات ( ملف المياه ).
الغريب ان الأسلحة تطورت، وكان يمكن لأمي الحصول على قنابل يدوية أو كواتم صوت، لكنهما ظلت متمسكة بالقصيبة حتى جاءها الكبر فبدلتها بالعكازة.
هذا هو عمري المشبوح على قصيبة وأتذكر دائماً بأني من « قصيبة « إلى « قصيبة « أعود
وربّ قصيبة لك لم تستخدمها أمك، ولكن ما حك ظهرك غير قصيبة أمك.