المنتدى الدولي للاتصال الحكومي يناقش في أولى جلساته دور الإعلام في رفع مستويات الوعي بتعليم المستقبل.
في جلسة حوارية حملت عنوان "التعليم عبر عدسة الغد: انقلاب الموازين"، بحث المنتدى الدولي للاتصال الحكومي، التحولات الجذرية التي سيشهدها العالم في المستقبل القريب على صعيد نوعية التعليم، وظهور واستحداث وظائف جديدة لم يشهدها سوق العمل من قبل.
وشارك في الجلسة التي أدارتها الإعلامية ميسون عزام، كلٌ من سوزان عفانة المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Advvise المتخصصة في الاتصال والإعلام، ومارك برينسكي الكاتب والمستشار والمبتكر في مجال التعليم ومؤسس المنظمة غير الربحية "التعليم العالمي للمستقبل"، وجراهام براون مارتين الكاتب والخبير في التعليم ومستقبل العمل ومؤسس الحركة العالمية "التعليم بلا حدود".
وناقشت الجلسة دور التعليم في تعزيز جاهزية رأس المال البشري للدخول بكفاءة في سوق العمل الذي سيشهد في المستقبل تغييرات جذرية، حيث أجاب المشاركون في الجلسة على حزمة من التساؤلات الجوهرية حول مدى استعداد الآباء والأمهات، وخصوصاً في العالم العربي، لتشجيع أبنائهم للدخول في مدارس المستقبل، ومدى قدرة المدارس والجامعات على إدخال مهارات المستقبل في مناهجها بالسرعة الكافية، والدور الذي يجب أن يضطلع به الاتصال الحكومي في التصدي لهذه التحديات.
وركز المنتدى في الجلسة على تغيير النظرة التقليدية للتعليم وفق خمسة محاور، شملت لمحة بانوراميه حول نظام التعليم المدرسي والجامعي، والتخصصات المطلوبة في المستقبل، وكيفية بناء شراكات بين الحكومة ومؤسسات التعليم والتدريب وبين الأسر لتوحيد الرؤى، بهدف دفع الطلاب نحو اختصاصات المستقبل، ودور الإعلام في رفع مستويات الوعي بتعليم المستقبل واختصاصاته، إضافة إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال الترويج لأجندة التعليم في المستقبل.
وذكر المتحدثون أن الدراسات تشير إلى أن 65% من طلاب اليوم سيعملون في مناصب لم يتم استحداثها بعد، موضحين أنه على الرغم من إدراك الكثير من الحكومات لأهمية تغيير أنظمة التعليم بما يتماشى مع هذه التغيرات الجذرية المتوقعة، واتخاذها الخطوات اللازمة للتصدي لها إلا أن الشركاء الرئيسيين لقطاع التعليم (الطلاب وعائلاتهم والمجتمع المؤثر في قراراتهم) لا يزالون غير مدركين تماماً لحجم هذا التحدي.
وأشاروا إلى حرص الأسر على تشجيع أبنائهم على الالتحاق بالمجالات التقليدية مثل الطب والهندسة والمحاماة لأنهم يعتبرونها الأعلى شأناً من حيث المكانة الاجتماعية والأمان الوظيفي، متسائلين "هل ستكون فعلاً هذه الوظائف التقليدية في المستقبل المتوسط والقريب هي الأعلى شأناً عندما يختفي الكثير منها على يد الآلات والروبوتات تظهر وظائف جديدة أكثر أهمية للاقتصاد نظراً لندرة العاملين بها؟".
وفي مستهل حديثها قالت سوزان عفانة: " قبل الحديث عن مخرجات التعليم لابد من تحديد الهدف الأساسي من العملية التعليمية، وهل هو وسيلة لخدمة الإنسانية من خلال تأهيل جيل جديد من الشباب القادر على المشاركة والمساهمة في جعل العالم مكاناً أفضل، أم أنه لا يعدو كونه مرحلة يتم فيها إعداد أجيال المستقبل لتكون أكثر جاهزيةً واستعداداً للدخول إلى سوق العمل بمعناه التقليدي".
وحول مدى قدرة ونجاح النظام التعليمي بدول المنطقة العربية في إعداد الشباب لسوق العمل قالت سوزان عفانة: "لتقييم مخرجات التعليم في عالمنا العربي لابد من الوقوف عند مجموعة من المؤشرات التي تساعدنا في تقديم إجابات منطقية ودقيقة، فإذا نظرنا إلى ظاهرة البطالة عالمياً نجد أن هناك عدداً من دول العالم كالولايات المتحدة، واليابان، وبعض الدول الأوروبية نجحت في تحقيق نتائج إيجابية في محاربتها للبطالة حيث نجد نسب البطالة قد انخفضت في هذه الدول خلال عامي 2000 و2018 من 30% إلى 8% والفضل في هذا النجاح يرجع إلى تبني هذه الدول التكنولوجيا الحديثة في التعليم والتوظيف".
وأضافت سوزان عفانة: "وفي دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نجد أن معدلات البطالة آخذة في التزايد والارتفاع حيث وصلت إلى 12% في عدد من الدول، كما ارتفعت إلى أعلى معدلاتها في بعض الدول الأخرى إلى أكثر من 28% وذلك بغض النظر عن الظروف والعوامل السياسية والاقتصادية، وتؤكد هذه الإحصاءات أن هناك خللاً كبير في نظامنا التعليمي وفي عدم قدرته على الانسجام مع المتغيرات المتسارعة التي يشهدها سوق العمل العالمي، وهو ما يدعو لبذل مزيد من الجهود لتنمية المهارات الإدراكية ومحو الأمية الرقمية، وتقديم تعليم نوعي يتجاوز النظرة التقليدية".
ومن جانبه قال مارك برينسكي: "أرى في الجيل الجديد من الشباب واليافعين جيلاً أكثر تميزاً وموهبةً وقدرةً على تجاوز التحديات في شتى المجالات، وأرى أن أكبر التحديات التي نواجهها اليوم لا تتمثل في مدى قدرتنا على إعداد هؤلاء الشباب وتهيئتهم للدخول إلى السوق العمل، وإنما في قدرتنا على غرس قيم التسامح والمحبة في نفوسهم".
ودعا مارك برينسكي إلى ضرورة أن يركز التعليم الحديث على إعطاء الأطفال الفرصة الكافية لإبراز مواهبهم والجوانب التي تميزهم، مؤكداً أن التعليم التقليدي سيظل موجوداً خلال الفترة المقبلة، بالتوازي مع ظهور مسار تعليمي موازي أكثر حداثةً ومواكبةً، سينتظم فيه الطلاب الذين لديهم طموحات كبيرة لتحقيق منجزات تخدم العالم والإنسانية في شتى المجالات.
ومن جهته قال جراهام براون مارتين: "معطيات الواقع اليوم تؤكد أن الآلة ستهزمنا في بعض المجالات كونها الأسرع في الوصول إلى المعلومات واستخراجها، وأعتقد أن الوظائف الجديدة التي سيشهدها سوق العمل هي تلك الوظائف التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها، ومن هذا المنطلق فعلينا أن نمعن النظر في الأدوات الكفيلة بتعزيز قدراتنا البشرية في مجال ريادة الأعمال، والبحوث الطبية والتواصل الاجتماعي، فهذه المجالات لا يمكن للآلة الوصول إليها".
وأكد جراهام مارتين أن القرن الحالي يعد الأكثر تحدياً للبشرية لا سيما مع ظواهر التغير المناخي، والانفجار السكاني، بجانب ما يعرف بالبطالة التكنولوجية، وناشد جراهام المجتمع الدولي والحكومات بضرورة توفير وبناء أنظمة تعليمية حديثة تستند إلى التكنولوجيا المعاصرة، لتساهم في تعزيز مشاركة الشباب في إيجاد حلول للتحديات الكبيرة التي يشهدها العالم في شتى المجالات، لافتاً إلى أنه مع توفر المعرفة والأدوات يستطيع الشباب التفكير بشكل نقدي وابتكار حلول ناجعة لكل ما تعاني منه.