قلق
قالت وزیرة التخطیط أول أمس: (إن ھناك خطة تھدف إلى إعادة تعریف العلاقة بین المواطن والدولة، من خلال ...تعزیز مفاھیم الشفافیة والمساءلة)...بالطبع جاء ھذا التصریح، خلال رعایة الوزیرة لإطلاق مبادرة أنا لدي فھم مختلف عن العلاقة بین المواطن والدولة، فھم مناقض تماما لتصور الوزیرة.. ولا یقوم على الشفافیة والمساءلة أبدا، بل یقوم على مجموعة من الأسس والضوابط، أولھا أني حین كنت طفلا وأصحو في الصباح، أتوق لشم رائحة (الطوابین)..الطابون أھم من الشفافیة ومن المساءلة، ففیھ تجلس النساء ویخبزن مع النار بعض الحنان ...لأطفال بانتظار قوتھم الصباحي..كي یأكلوه ویذھبوا لمدارسھم...ھل تعرف معالیھا (الطابون)؟ لدي فھم اعمق، ترسخ في ذھني حین كنت طفلا، كان أھلي یأتون ویعلقون (الفلدة) العسكریة، على أبواب المنزل، وكنت أرتدیھا وأنظر للنجوم التي تزین أكتافھم، وأشم فیھا رائحة تراب (خو) وبرد (القطرانة) ودخان (الكونتنتنال)..وأعرف أنھم المعنى الحقیقي للدولة والتعریف الصحیح للمواطنة، وأدرك لحظتھا...معنى صبرھم وتفانیھم في بناء وطن ولد من الحلم والصخر معا...الأردن مزیج من الأحلام الجمیلة والصخور الصلبة، قدمھ لنا .الاباء وطنا نبیلا بكل ما تحمل الكلمة من معنى لدي فھم أعمق للعلاقة بین المواطن والدولة، فھم لایقوم على الشفافیة...بل یقوم على المرور من مقام جعفر الطیار وعبدالله بن رواحة وزید، والصلاة على مقربة منھم..وحقیقة تترسخ في ذھنك مفادھا أن الكرك، كانت البوابة الأولى لفجر الدولة الإسلامیة الجدیدة، وأن ترابھا تاریخ..وأطرافھا الدنیا، وأن دم زعاماتھا ورجالاتھا..كان كحل عینیھا ...وحناء جدیلتھا قلت لدي فھم أعمق بكثیر من فھم الوزیرة، فھم یقوم على الوقوف بصرح الشھید، وملامسة بندقیة قاتلت في العام .(1948 (لجندي أردني ذھب إلى فلسطین، وترك العشیرة والقریة والزوجة وما زالت آثار یدیھ على خشبھا وسبابتھ على زنادھا..وتحت البندقیة صورتھ، واسم المعركة التي سقط فیھا...وتسأل نفسك، ماھو الشيء الذي دعاه لطلب الشھادة..ھل المساءلة والشفافیة ھما من حددنا علاقتھ بفلسطین؟..كلا، إنھ الله ...والعشق الأبدي المتجذر في قلبھ للعروبة والدین والكرامة..وللنفس الأبیة التي تأبى الھوان لدي فھم أعمق بكثیر...من الشفافیة والمساءلة، فھم یقوم على الوقوف بأطراف..الصحراء، وتتبع خطى البدو..وكیف صھروا صبرھم من تراب أحبوه وكانوا أوفیاء لھ، ونصبوا خیامھم على الرمل...وبنوا دولة من العیون والوجد، ..وانخرطوا في جیشھا ومؤسساتھا..وحموھا بصدورھم، وجعلوا من أولادھم استاذة في جامعات بنیت بتعبھم وعرقھم النظر لعیون مثقال الفایز أو حدیثة الخریشا أو عوده أبو تایھ، وحده یكفي لتحدد علاقتك بدولتك..فعیونھم حمت ھذا المدى..وفیما بعد تركت خطاھم ورحلاتھم، صداھا في التاریخ...وعلمتھ كیف تبنى الزعامة، بالدم والسیف..ولیس ...بالتنظیر والحدیث عن المساءلة والشفافیة علاقتي بدولتي یحددھا قلبي، وعظام أھلى المدفونة في تراب الكرك، وتاریخي..وعشیرتي وكم مر من العسكر على قریتي وتركوا، صدى صبرھم في زوایاھا..وكم شھیدا سقط وكم قتیلا ظل ینزف، وعطر بدمھ الأرض...ویحددھا وجودي الممتد فیھا...وأكثر ما یحددھا قلبي الذي تلوع بعشقھا، أستغرب كیف وصلتم لمرحلة تستبدلون العشق ...بالشفافیة والمساءلة ! وھل یقبل القلب أن یخضع لشفافیة ومساءلة حكومات..لم تعد تنتج سوى القلق