كم استرد الأردن من أموال الفاسدين؟
لم تُسفر رحلة تحقيق اعدته وكالة الانباء الاردنية (بترا) استغرقت 100 يوم عن كشف قيمة أموال الفساد العائدة إلى الخزينة، او عن أيِّ رقم دقيق وواضح من الجهات المعنية. نتيجة التحقيق يؤكدها رئيس اللجنة المالية النيابية خالد البكار، الذي كان واضحا عندما أكد عدم عودة أيِّ دينار من هذه الاموال خلال السنوات الأربع الأخيرة.
مائة يوم من البحث والتقصي لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) عن إياب أموال اختفت بفعل الفاسدين الى الخزينة خلال 12 عاما، بدءا من العام 2006، الذي شهد تأسيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وانتهاء بالعام 2018، الذي رفع الغطاء خلاله عن أكبر قضية فساد أطلق عليها قضية "التبغ"، واتهم فيها 54 شخصا، وبلغت تقديراتها المالية أكثر من نصف مليار دينار.
مندوب "بترا" دخل أروقة وزارتي المالية والعدل والمجلس القضائي وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وسأل اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب، وهي أكثر الجهات ارتباطا بهذا المال إلا أن ذلك لم يسفر عن قيمة المبلغ كاملا.
ارقام هيئة النزاهة أشارت الى استرداد وتسوية 222 مليونا و562 ألفا و 170 دينارا بين عامي 2013 - 2018 توزعت بين استردادات وتسويات لأموال عامة وتهرب ضريبي وجمركي.
الهيئة فصّلت أرقامها، موضحة انها استطاعات في العام 2013 تحصيل 18 مليونا و 942 ألفا و481 فلسا، وخلال العام 2014 وصلت الى الرقم ذاته فأعادت 18 مليونا و421 ألفا و859 فلسا، وشهد العام 2015 تحصيل 115 مليونا و 350 ألفا و 471 فلسا، وفي العام 2016 وصل المبلغ المعاد الى الخزينة العامة 18 مليونا و260 ألفا و539 فلسا.
تستمر الهيئة ببيان تفاصيل الأرقام المالية، ففي العام 2017 أعادت 31 مليونا و586 ألفا و 820 فلسا، وانتهى العام وقد كان الرقم يؤشر الى 20 مليون دينار.
الهيئة أكدت أن هذه المبالغ هي التي حصَّلتها فعليا من فم الفساد، وان هناك عددا آخرا من القضايا تم تحويلها الى القضاء، وهناك إمَّا أن يتم الحكم بها لصالح الخزينة او غير ذلك بناء على حكم القضاء.
وفي متابعة داخل اروقة وزارة العدل والمجلس القضائي والمحاكم لقضايا الفساد التي تم الحصول بها على حكم قطعي، وتشمل مبالغ لخزينة الدولة من هذه التهم السافرة، حيث لم تكشف فترة التحقيق الذي بدأ مطلع كانون الأول من العام الماضي على أي معلومات عن عدد القضايا التي صُنفت على أنها قضايا فساد واكتسبت الحكم القطعي أو قيمة المبالغ التي عادت إلى الخزينة.
وزارة المالية، وعند سؤالها عن قيمة المبلغ، أكدت ان المبلغ يأتي إليها كاملا دون تفاصيل من جهات متعددة من بينها القضاء، ويذهب إلى بند ما يسمى إيرادات أخرى دون تفصيل أن هذا المبلغ استرد من فاسدين.
الوزارة ذاتها حولت معد التحقيق الى مديرية الشؤون القانونية التابعة لها والمختصة بهذا النوع من الأموال؛ لمعرفة عدد القضايا وحجم المبلغ الذي استطاعت تحصيله، وهناك لم يحصل على اي أرقام أو عدد القضايا التي صدر بها حكم قطعي أو حتى نوع القضايا.
في وزارة العدل، لا جواب يذكر، حول عدد القضايا التي اكتسبت الحكم القطعي في قضايا الفساد ودخل الكتاب الرسمي لـ"بترا" من الديوان وانتهى بمكتب الأمين العام للوزارة ولم يتم الحصول على الرد رغم المتابعات اليومية لمصيره.
"ولا دينار عاد للخزينة من قضايا الفساد" يؤكد رئيس اللجنة المالية النيابية في مجلس النواب الدكتور خالد البكار، الذي بين أنه وخلال السنوات الاربع الأخيرة لم تسترجع الخزينة العامة أي أموال من قضايا فساد، خصوصا تلك التي تصنف على أنها قضايا فساد فعلي.
البكار قال إنه خلال السنوات التي قرأ بها أرقام الموازنة العامة رقما رقما لم يشاهد فيها أي ايرادات عادت من فم الفساد لبيت مال الأردنيين.
التمييز بين قضايا الفساد والاسترداد المالي مهم جدا، يؤكد البكار، موضحا أن هناك قضايا تجاوزات ومخالفات لا تصنف على أنها قضايا فساد، وأن العنوان الأهم هو الفرق بين الاستعداد المالي واستعادة حقوق الأردنيين من الحرب ضد الفساد. رئيس لجنة الاقتصاد في مجلس النواب خير أبو صعيليك، قال إنه حصل على رقم بهذه المبالغ في وقت سابق من خلال سؤاله للحكومة إلا أنه لم يفصح عنه حيث لم يكن متأكدا من قيمته الفعلية.
الكاتب الصحافي فهد الخيطان قال إن الجهة التي تستطيع تحديد قيمة الرقم المُعاد الى خزينة الدولة من قضايا الفساد هي الجهات الرسمية، وتقارير ديوان المحاسبة أيضا ترصد كثيرا من الأموال التي تم منع تسربها من الدولة بأفعال غير قانونية ومشبوهة.
الخيطان أكد ان الدولة استعادت أموالا لها من قضايا فساد، وان تقديرها أمر صعب، وأن ذلك يتم من خلال مراجعة أرقام الجهات الرسمية سواء القضائية او هيئة النزاهة او وزراة المالية.
تقارير ديوان المحاسبة أشارت إلى أنها استطاعت تحقيق وفر مالي واسترداد أموال عامة منذ العام 2010 وحتى العام 2017 بلغت قيمتها أكثر من 384 مليون دينار، ويبين تقرير الديوان عن العام 2017 استرداد مبلغ 51.5 مليون دينار.
الديوان أشار إلى أن عدد قضايا الاعتداء على المال العام خلال العام 2017 بلغت 69 قضية، تم بموجبها تحصيل مبلغ 2281031 دينارا، وبلغ عدد القضايا المطروحة للتنفيذ لدى دوائر التنفيذ في المملكة 3308 قضايا والمبلغ الذي تضمه هذه القضايا واجب التحصيل وصل إلى 16626525 دينارا.
التقرير ذاته بين أن نسبة عدم التحصيل في قضايا المال العام لدى دوائر التنفيذ بلغ 94 في المائة، ولم يتم تحصيل سوى 6 في المائة، وقد بلغ اجمالي القضايا المنظورة أمام القضاء حتى العام 2017 نحو 8257 قضية، قيمة المبالغ التي تحتويها بلغت 2544137687 دينارا، تم تحصيل 1608859834 دينارا، ولم يتم تحصيل منها مبلغ 935277853 دينارا، منها 8170 قضية منظورة أمام القضاء، وتم فصل 87 قضية بمبلغ وصل الى 804966305 دينارا. حسب تقارير لهيئة النزاهة فإنه خلال العام 2011، حققت في قضايا يشوبها الفساد بلغت 12 قضية، وهُدرت بها الأموال العامة وتم تحويلها الى الجهات المختصة، منها دراسة الجدوى الاقتصادية لجر مياه الديسي إلى عمّان وتم بها دفع مبلغ 11 مليونا و 950 ألف دينار، ومشروع المنتجع والفندق السياحي خشم جعوان وادي العنبر والذي قُدر المال العام المهدور به بنحو 3 ملايين دينار، ومشروع بناء نادي الضباط / دابوق حيث بلغت كلفة تصاميمه مليون و 800 ألف دينار تقريبا، قُدرت قيمة المبالغة في هذا الرقم مليون دينار، وتبرع مؤسسة عامة لناد رياضي محلي بين عامي 2006 – 2010 بمبلغ وصل الى مليونين و 529 ألفا و 884 دينارا رغم عدم سماح نظامها بهذا التبرع.
التقرير ذاته رصد حصول موظف في صندوق المشاريع التنموية على مبلغ تجاوز مليون دينار مستثمرا وظيفته، ومشروع شاطئ سويمة السياحي حيث تبين أن كلفة المشروع الحقيقية تتراوح بين 10 – 12 مليون دينار الا ان المبالغ المدفوعة تجاوزت 27 مليونا، أي ان المبلغ المهدور وصل إلى 15 مليون دينار.
ورصدت "بترا" تقريرا لهيئة النزاهة صدر خلال العام 2012، تبين ان منها بيع أراض لمنطقة العقبة الاقتصادية الساحل الجنوبي تبلغ مساحتها 178.313 مترا مربعا ب 6 ملايين و 298 الفا و 730 دينارا، بعد تخفيض سعرها من 15 مليون دينار بواقع 8 ملايين و 701 الف و 270 دينارا.
الحكومة قالت بلسان الناطق باسمها جمانة غنيمات في وقت سابق إنه تم تحويل ??? قضية فساد من الهيئة إلى القضاء خلال العام 2018، وهذا يصب في تكريس إرادة الحكومة والدولة في محاربة الفساد، اضافة إلى تعديل التشريعات المتعلقة بصون المال العام وتحصين المؤسسات وخاصة التي لها تماس مالي مباشر وضريبي وأتمتة إجراءاتها.
الأردن بعد كل إجراءاته ضد الفساد حافظ على درجته على سلم مدركات الفساد لأكثر من ثلاث سنوات، حسب مؤشرات منظمة الشفافية العالمية والتي صدرت أخيرا.
وتقدمت المملكة على مؤشر مدركات الفساد (CPI) للمرتبة 49 من بين 180 دولة شملها المؤشر للعام 2018، فيما حل بدرجة 58 من 100 على سلم المؤشر، حيث تمثل الدرجة 100 الدولة الخالية من الفساد، وصفر عالية الفساد.
الأردن جاء في المرتبة الرابعة عربيا، وعلى مستوى الشرق الأوسط وشمال افريقيا، متقدما على دول عديدة في المنطقة من بينها المغرب وتونس والكويت والبحرين الجزائر وإيران وتركيا.
وقالت منظمة الشفافية في تقريرها الذي أصدرته بداية العام 2019، إنها ستضع الأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر ولبنان تحت المجهر خلال السنوات المقبلة، كونها بلدان مستقرة نسبيا، "لكن وضعها الجغرافي أو الاقتصادي" يتطلب ذلك، وحصل الأردن على 49 درجة ليسجل بذلك ارتفاعا بدرجة واحدة في المؤشر منذ السنة الماضية.