مخاوف مشروعة 

مروان العمد

 

لقد سبق وان كتبت مقالاً قلت فيه ايها الاردنيون لا تجعلوا من الديوان الملكي ساحة لاعتصاماتكم . وانهيت مقالتي بالقول ان ذلك سيكون وسيلة للايقاع مابين الديوان الملكي وما بيين الشعب الاردني  والذي ظل على مدار  السنين ورغم كل ما مر علينا من ظروف ينظر الى الهاشميين باعتبارهم مظلة امن وامان لهم وان الديوان وجلالة الملك هو مرجعيتهم الاخيرة  .

    ولقد بدأت المؤامرات على الاردن مع بداية الربيع العربي وحاولوا ان يجروه الى مستنقع الصراع الداخلى . وكان ذلك جزءا من الشرق الاوسط الجديد الذي لا يوجد فية الا دولة بني صهيون  . واطلت رؤوس وجالت ارجل في شوارع عمان وشوارع المدن الاردنية الاخرى وهي تمني النفس ان يلتف حولها الاردنيون . وتمنت تصادماً ما بينها وبين الاجهزة الامنية الاردنية لاحداث صراع دموي فيه  لتقدمه هدية لمهندسي هذا الشرق الاوسط الجديد ،  علها بذلك تنال مكافأتها بأن تصبح هي النظام .

    ولكن التفاف المواطنين الاردنيين خلف نظامهم ووعيهم وادراكهم لما يحاك لهم والمهنية العالية التي تعاملت بها الاجهزة الامنية مع هذه المسيرات والتحركات افشل مخططاتهم . كما ان ما حصل في دول الربيع العربي من دمار زاد  من صعوبة تطبيق هذه الخطة في الاردن وزاد من حرص الاردنيين على ان لا يقادوا لهذا الفخ .  لذا فقد دفع ذلك مهندسي هذا الشرق الجديد  الى تغيير خططهم واساليبهم في الاردن بهدف انهاكة وتحطيمة داخلياً    .

 وكانت البداية تهدف الى ضرب عصب الحياة الا وهو الاقتصاد . فكان ان تم حجب المساعدات عنه الا القليل منها وقطع مصادر الغاز عنه  . ثم قيام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بتسهيل حصولنا على قروض بحيث استسهلنا ذلك وركنا اليه دون حساب للمستقبل ،  وتراكمت علينا الديون فوق الديون الى ان وصلنا الى ما فوق الخطوط الحمراء والى درجة اوقعتنا في مصيدتهم  واخذوا يمارسون ضغوطهم على الحكومات الاردنية المتعاقبة لتحل مشاكلها المالية من جيب المواطن . ففرضت عليه الضرائب  ثم المزيد منها ، واثقلت كاهله  بالرسوم والغرامات ورفع الاسعار حتى لم يعد المواطن يتحمل المزيد .

    هذا الامر ادى الى اتساع رقعة الخلاف ما بين المواطن والحكومات  التي وللاسف كان  بعضها قد قام  بأوقات سابقة  ببيع مقدرات الوطن لتوفير سيولة مالية صرف منها على ما يلزم وما لا يلزم والاستيلاء على البعض . بالاضافة الى وقوع العديد من قضايا الاختلاس والاحتيال على المواطنين من قبل متنفذين او شركات وهمية سلبت مدخراتهم  دون ان تقوم الحكومات بما يجب عليها القيام به  لكي تحمي المواطن الاردني والمال الاردني .

ووقع هذا المواطن في ضنك ما بعده ضنك الا انه رغم ذلك ظل يشد على النواجذ لكي لا يكون مصيره مصير غيره من دول الربيع العربي  . وبالرغم من زيادة حنق المواطن الاردني على حكوماته الا انه ظل على ولائه للنظام وابقائه بعيدا عن هذا الخلاف  وحصر خلافاته مع هذه الحكومات . مطالبين بالاصلاح والمحاسبة واسترداد مقدرات الوطن .

          ولقد ادرك من يحيكون الدسائس للاردن انه لا وسيلة امامهم لتحقيق اهدافهم الا بأن يخترقوا صمود الاردن ، ولا يمكن ان يتم اختراق هذا الصمود  الا بعد الايقاع ما بين الشعب والنظام وان يضعاهما في مواجهة بعض .

      وكما كان لصمود جلالة الملك المعظم امام قوى الضغط  والتهديد ،  ورفضه المطلق  التنازل عن اي موقف  يتعلق بالقضية الفلسطينية وبالرعاية الهاشمية على المقدسات بها ورفضه لكل ما تضمنته صفقة القرن من تنازلات عن الحقوق الاردنية والفلسطينية والعربية . ورفضه للاملاءات التى كان يطلب منه القيام بها والتي منها ماصرح به رئيس وزراء المغرب السابق  عبد الاله بنكيران رئيس حزب العدالة والتنمية المغربي والذي هو لسان حال الاخوان المسلمين المغاربة  عن الضغوط التي تعرض لها جلالته فيما يتعلق بحركة الاخوان المسلمين الا دليل صغير  على ذلك .

      ولهذا ادرك صناع القرار انهم لا يمكن لهم ان ينفذوا مخططاتهم في الاردن  الا باخضاع جلالة الملك وكسر صموده ،  وانهم لا يمكن ان يحققوا ذلك الا بعد الايقاع مابين جلالته والشعب الاردني وان ينقلوا صراع الشعب مع الحكومات الى صراع مع الديوان ومن في الديوان واقصد جلالة الملك . وكان لا بد  من اشعال نيران الغضب داخل نفوسهم  لتحقيق هذه الغاية .

    ولهذا فقد صرخت وقلت لا تجعلوا الديوان الملكي ساحات لاعتصاماتكم  .

ولقد ظهرت معالم الايقاع ما بين النظام والجماهير بعدة صور واشكال . فقد اخذت تظهر وتنتشر اشاعات تتعلق بجلالة الملك وجلالة الملكة وولي العهد والاسرة الهاشمية . كما اخذت تنشط وبشكل ملحوظ تسجيلات الفيديو التي كان يقوم بها من يسمون انفسهم المعارضة الاردنية في الخارج ولوحظ ارتفاع منسوب النقد والهجوم فيها على الاسرة الهاشمية حتى من قبل بعض المعارضين الذين كانوا يدّعون انهم يعارضون الحكومات والفساد ولا يعارضون النظام  . وقد تم ملاحظة ان مثل هذه الاشاعات وهذه الفيديوهات كانت تصدر ويروج لها من مواقع الكترونية مجهولة ومنتشرة في عدة دول غربية . وكان سرعان ما يتم المشاركة بها وتناقلها على وسائل التواصل الاجتماعي  من قبل بعض من يسمون انفسهم ناشطين اجتماعيين  دون التعليق عليها لا من حيث الاستنكار ولا التأييد بالرغم من ان الكثير ممن كانوا ينتقدون الاجراءات الحكومية على هذه الوسائل كانوا يتفقون في غالبيتهم ان جلالة الملك خط احمر لا يجوز الاقتراب منه . ولكن كان يلاحظ ان هناك اشخاصا وجهات كثيرة تعمل على نشر مثل هذه الاشاعات والفيديوهات على اوسع نطاق . وكان واضحاً ان القصد منها زرع هذة الفكرة في اذهان الاردنين وان هذا الاحتمال وارد الوقوع . //