الانقسام مصلحة للمستعمرة
مثلما لم يكن مصلحة لحركة حماس في محاولة اغتيال رامي الحمد الله رئيس حكومة السلطة الفلسطينية مع ماجد فرج مدير مخابراتها يوم 13/3/2018 ، لا مصلحة لحركة حماس في محاولة اغتيال أحمد حلس عضو اللجنة المركزية لحركة فتح يوم 8 آذار 2019، وفي علم الجريمة يقولون إذا لم تتمكن من معرفة الفاعل، ابحث عن المستفيد .
ثلاثة أطراف لها دوافع في المس بأحمد حلس : أولها أنه زعيم عشيرة قبل أن يكون قائداً سياسياً، وعائلته كثيرة الخصوم والصدامات، فالاحتمال الأول أن تكون الدوافع انتقامية شخصية، والاحتمال الثاني أطراف سياسية دينية متطرفة على غرار داعش والقاعدة تستهدف المس بسياسة رئيسه أبو مازن باعتباره ممثلاً له في قطاع غزة، والاحتمال الثالث أن يكون المنفذ عميلاً للاحتلال ونفذ فعلته بناء على تعليمات المستعمرة لبقاء واستمرارية الصراع والخلاف ومواصلة التصعيد بين رام الله وغزة .
دققوا ما كتبه الصحفي الإسرائيلي البارز ناحوم بارنياع يوم 8/3/2019، على صفحات يديعوت أحرنوت مقالاً تحت عنوان « حماس تفهم وتستهتر « يقول فيه حرفياً « نتنياهو يريد استمرار حكم حماس في غزة : ففي نظره هذا هو أفضل الشرور، ليس لديه نية للدخول إلى غزة، حتى لا يدفع الثمن من حياة مئات الجنود، وحتى لا يتورط بإعادة الاحتلال بشكل دائم « ويخلص بارنياع إلى نتيجة مفادها فيقول عن نتنياهو « هو يُفضل الفلسطينيين كما هم : منقسمين، مستضعفين ويائسين « هل ثمة نتيجة أوضح من هذه القراءة لكاتب إسرائيلي ؟؟ وهل ثمة فلسطيني واحد لدى طرفي الانقسام فتح وحماس لديه ما يرى عكس ما خلص له الصحفي الإسرائيلي وهو يقرأ المشهد السياسي من موقعه كإسرائيلي ؟؟ .
حركة فتح كانت الأم الحاضنة، ورئيسها أبو عمار كان يتصرف باعتباره أبو الجميع، حتى مع أولئك الذين انشقوا عنه وخوّنوه، فكان يتصرف وبوصلته فقط نحو فلسطين، ولا عدو له ولا خصم سوى المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي المتفوق، مما يتطلب دائماً لملمة الصفوف الفلسطينية رغم تدخلات بعض العواصم لتمزيق الحالة الفلسطينية، ولكنه كان أقوى من أفعالها ويعمل على توحيد صفوفه وجبهته الداخلية، ليبقى قوياً متماسكاً في مواجهة عدوه الإسرائيلي الذي لا عدو له غيره .
الانقسام الفلسطيني الذي سببه انقلاب حركة حماس في أيار 2007، مازال متواصلاً وتفاقم في أحداثه ونتائجه وتداعياته، فباتت حماس منفردة في إدارة قطاع غزة، بعد أن فشلت حركة فتح بإستعادة القطاع إلى حضن الشرعية، وباتت النتيجة العملية أن لا فصيل منهما يملك القدرة وحده في إدارة المؤسسة الفلسطينية، والوحدة لن تقوم إلا بالشراكة بين الكل الفلسطيني، بين الشرائح الأساسية الفاعلة بين صفوف الفلسطينيين وهي : فتح وحماس مع الشعبية والديمقراطية والجهاد وباقي الفصائل مع المستقلين، تلك هي المعادلة التي تضمن تماسك وحدة المؤسسة الفلسطينية في وجه العدو الإسرائيلي .
ما قاله أحمد حلس تعقيباً على محاولة اغتياله بإطلاق النار من قبل سيارة مسرعة نحوه في منطقة الزوايدة يُعبر عن عين الحكمة بقوله :
« إن التحريض الذي تمارسه حماس وحالة الاحتقان والضخ الإعلامي السلبي، يؤدي إلى مثل هذه الأعمال الإجرامية، ويساهم في خلق حاضنة للعنف والإرهاب» وأكد حلس» أن معركة حركة فتح هي معركة الدفاع عن الأرض والقضية الفلسطينية في وجه الاحتلال، وبالتالي كل الذين لديهم أجندات غير وطنية يحرصون على حرف جهد النضال الفلسطيني تجاه قضايا تُشغله عن المعركة الأساسية» وشدد حلس على أن «حركة فتح تدرك أهمية مواجهة التحديات بالوحدة الوطنية كأولوية لدى الحركة قبل أية تفاهمات مع الاحتلال « .
أولوية صحيحة قالها أحمد حلس رغم مرارة ما أصابه من أذى ومن محاولة اغتيال خرج منها سالماً معافى، لعلها تكون درساً إضافياً يتعلم من خلالها الفلسطيني أن وحدته هي المظلة التي تحميه من المؤامرات وخطط عدوهم الإسرائيلي الذي لا عدو لهم غيره .