لايزال الفجر قادمًا
أكرمنا الطبيب سامر عبد الهادي، الكتاب محمد خروب وعيسى الشعيبي وأنا، بحضور لافت من المهنيين من أطباء ومهندسين ورجال أعمال على شرف الوفد الفلسطيني القادم إلينا من فلسطين، القيادي محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا لجماهير الشعب الفلسطيني في مناطق الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، وبرفقته المناضل عادل عامر أمين عام الحزب الشيوعي في مناطق 48، وفي ظل نقاش حيوي بغلب عليه طابع اللهفة الأردنية لقراءة مقدمات الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في 9/4/2019 والنتائج المتوقعة إسرائيلياً وفلسطينياً، مع استمرارية النفوذ لليمين الإسرائيلي العنصري بقيادة نتنياهو والتنافس مع القائمة اليمينية الأخرى التي يقودها العسكر برئاسة رئيس الأركان السابق بني غانتس، وعن دور الأحزاب العربية العاملة لدى الوسط الفلسطيني عبر تشكيل قائمتين انتخابيتين الأولى من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة مع الحركة العربية للتغيير، والثانية من الحركة الإسلامية مع التجمع الوطني الديمقراطي، وقد خلصا بركة وعامر إلى أن الهدف الأول للقوى السياسية العربية هو الإطاحة بحكومة نتنياهو ونهجه وأن الجنوح لليمين الاستيطاني مازال هو السمة البارزة مع عدم الرغبة لدى كل أطراف اليمين الإسرائيلي الاستيطاني التوسعي في التوصل إلى أي تسوية في ظل المعطيات الفلسطينية والعربية والدولية مما يستوجب أن الخيار الوحيد المتاح أمام الشعب الفلسطيني في ظل هذه المعطيات هو مواصلة النضال داخل الوطن بشقيه في مناطق 48 في مواجهة التمييز ومن أجل المساواة، والنضال في مناطق 67 من أجل الصمود ومواجهة الاحتلال والاستيطان والحكم العسكري، ورغم الانقسام يُسجل الفعل الفلسطيني إنجازات شعبية تراكمية محبطة لمشاريع الاحتلال وخاصة في القدس وعنوانها المسجد الأقصى كقضية مركزية تُعبر عن فحوى النضال التراكمي المتواصل من أجل الاستقلال بعيد المدى.
الطاغي لدى قطاع من شعبنا ولدى شريحة واسعة من المثقفين الإحساس بالهزيمة واليأس والتسليم بفرض البرنامج الأميركي الإسرائيلي وخاصة مع اندفاع الرئيس ترامب وفريقه الصهيوني لفرض صفقة العصر لمصلحة العدو الإسرائيلي، وهي خلاصات صحيحة من حيث سرد الوقائع، ولكنها لا تحمل الرضوخ لأي تسوية على الشعب الفلسطيني لا تستجيب لحقوقه وتطلعاته والاستخلاص الذي يُعبر عن القلق وإن كان مشروعاً، لدى هذا القطاع من شعبنا ولكنه لا يتفق مع المعطيات الواقعية التي سجلها التاريخ، فالرئيس الأميركي ترامب ليس أول من حاول تقديم تسوية أو محاولات فرضها، فقد سبقه بوش في مؤتمر مدريد 1991، والرئيس كلينتون في كامب ديفيد سنة 2000، وبوش الابن في أنابوليس 2007، والرئيس أوباما طوال ولايتيه 2009 – 2013 و 2014 – 2017، وفشلت هذه المحاولات أمام تمسك الشعب الفلسطيني وقيادته بحقوقهم الوطنية.
ولندقق اليوم حول فشل الرئيس الأميركي وفريقه الصهيوني في فرض رؤيته على المؤتمرات التي دعا لها وفشل في تحقيق نتائج ملموسة من مداولاتها الأولى في الرياض 22 أيار 2017، ووارسو في 13 شباط 2019، وفي الحالتين أخفق في تمرير مساعيه على البلدان الحليفة الأوروبية ضد إيران، ولصالح العدو الإسرائيلي، مما يدلل أن الرغبات الأميركية الإسرائيلية ليست قدراً لا يمكن رفضه أو لا يمكن إحباطه، فقد أخفق في التوصل إلى نتائج سياسية تقبل بمبادرته أو بمقدماتها المعلنة.
لقد استطاع الشعب الفيتنامي بقدراته المحدودة بدعم سوفيتي وصيني آنذاك هزيمة ثلاث إمبراطوريات كبيرة هي اليابان وفرنسا والولايات المتحدة و « مرمغ « كبريائهم في مستنقعات فيتنام، وها هو الشعب الفلسطيني بقدراته المحدودة قد فرض الهزائم المتواضعة التراكمية على عدوه المتفوق في المسجد الأقصى وقرية الخان الأحمر وغيرها، وها هي ماليزيا ترفض السماح لوفد رياضي إسرائيلي للمشاركة في محفل رياضي حتى ولو أدى ذلك إلى إلغاء كامل لجدول المباريات على أرض ماليزيا، وها هي إندونيسيا تهدد استراليا بإلغاء اتفاقات اقتصادية إذا نقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وها هو الشعب الأفغاني الفقير يتبرع بمبلغ مليون دولار دعماً لوكالة الأونروا من أجل الشعب الفلسطيني، ورداً على سياسة ترامب في مؤتمر الرياض، أطلق الملك سلمان اسم قمة القدس على « قمة الظهران «.
الحياة ومشاهدها السياسية ليست أبيض أو أسود، وها هو الأردن المثقل بالهموم الاقتصادية شكل رأس حربة سياسية لدعم قيادة الشعب الفلسطيني في رفض خطة ترامب وفي عدم استقبال مبعوثيه الثلاثة : كوشنير وجرينبلات وفريدمان، فالأمل مازال متوفراً والآفاق مازالت مفتوحة، والظلم لن يبقى مهيمناً حتى ولو كان هو الأقوى في المعطيات القائمة.