الاقتصاد الدائري دعم للرأسمالية مع الحفاظ على البيئة
الأنباط – العقبة - د. نهاية القاسم
الاقتصاد الدائري مصطلح عام يعني الاقتصاد الصناعي الذي لا ينتج نفايات أو يحدث تلوثا، من بداية تصميمه ومنذ النية في إنشائه، والذي يحتوي على نمطين من تدفق المادة:
يشتمل المصطلح على معنى أوسع من مجرد إنتاج واستهلاك السلع والخدمات، إذ يشمل التحول من الوقود الأحفوري إلى استخدام الطاقة المتجددة، والتأكيد على دور التنوع كسمة من سمات الأنظمة المرنة والمنتجة، كما يشتمل على مناقشة دور المال والتمويل كجزء من نقاش أوسع، كما أن بعض رواد هذا الاقتصاد دعوا إلى تجديد أدوات قياس الأداء الاقتصادي.
يعود مفهوم الاقتصاد الدائري إلى عام 1976، الذي نادت به سويسرا والتي طرحت هذا النموذج الاقتصادي الفريد من نوعه، والذي يفيد أن للاقتصاد الدائري أهدافا مختلفة عن اقتصاد الإنتاج الخطي التقليدي، بمعنى أنّه يعمل على الحفاظ على قيمة المنتوجات وإدارة المخزون ورأس المال الطبيعي والبشري والمصنّع والمالي.
ويتطلع هذا النموذج إلى إطالة عمر المنتجات في مرحلة الاستخدام، من خلال الحفاظ على قيمتها، وإزالة المنتجات الثانوية الضارة، مثل المواد السامة؛ لخلق حاضنة مثالية لشركات تتسم بالابتكار في مجال البيئة.
وتعتبر عملية إعادة التدوير أفضل خيار لإعادة الاستخدام، نظرا إلى أنها لا تميل إلى تفكيك تكوين المواد الأصلية، خلافا لعملية إعادة التدوير التقليدية (أو إعادة تدوير لإنتاج منتج جديد أقل قيمة).
ولقد نشأ مفهوم الاقتصاد الدائري من خلال فكرة إحلال القوى العاملة كبديل عن الطاقة، التي وُصفت لأول مرة منذ أربعين عامًا حين شهدت بدايات السبعينات ارتفاعًا في كل من أسعار الطاقة ومعدلات البطالة، فمثلا أن تجديد المباني يتطلب جهدًا كبيرًا، وموارد أقل، مقارنةً بما يلزم لإنشاء مبان جديدة. وينطبق هذا المبدأ على أي مخزون، أو رأسمال، بدءًا من الهواتف النقالة، وصولًا إلى الأراضي الصالحة للزراعة، والتراث الثقافي.
تعدّ دورات المحيط الحيوي -من الماء إلى التربة- من عجائب الاقتصاد الدائري الذي تولده الطبيعة من تلقاء نفسها ، وهذا مغاير لما يتعلق بسلوك البشر وأنشطتهم اليومية، فأن نظرة واحدة إلى أيّ مدينة كبيرة تكشف عن وجود انفصال وتلوث وتفاوت اجتماعي، فهل سنتمكن من تحقيق اقتصاد دائري؟
وفق النظرة الواقعية لا تبعث على التفاؤل، فإطالة عمر المنتوج تؤدّي إلى هدر أقلّ وأيضا إلى إنتاج أقلّ، وهذه الإستراتيجية تؤدي إلى تقليص النفايات إلى النصف، لكن المشكلة تكمن في أنّ ذلك قد يؤدّي إلى خفض الناتج الإجمالي المحلّي لأنّنا ننفق أقلّ ونشتري أقلّ من المعتاد، والمجتمعات ليست كلّها مستعدّة لهذا التحوّل وخاصة تلك المجتمعات الرأسمالية التي تبحث دائما عن الربح.
" إننا نفقد او نرمي 90٪ من المواد الخام المستخدمة في إنتاج آلة "
ففي إقتصادنا الحالي ننقب عن الموارد نصنعها ثم نستهلكها و أخيرا نتخلص منها. نرمي 90٪ من المواد الخام المستخدمة في إنتاج آلة مثلا، الشركات الكبرى تبيع ما يقرب من نصف هذه النفايات، لكن الشركات الصغيرة و المتوسطة تقوم بذلك بنسبة اقل. البقايا تنتهي في المكب كما هو الحال بالنسبة ل80٪ من المنتجات التي المصنعة، ستة أشهر فقط بعد مغادرتها المصنع.
استخدم المصطلح للمرة الأولى من قبل اثنين من خبراء الاقتصاد البيئي في بريطانيا، من خلال دراسة قدمت حول اقتصاديات الموارد الطبيعية والبيئة، حيث أشاروا إلى أن الاقتصاد الشائع مفتوح النهاية تطور دون أن يتضمن في بنيته الأساسية فكرة إعادة التدوير، الأمر الذي انعكس في التعامل مع البيئة باعتبارها مستودعا للنفايات. بينما الاقتصاد الدائري (غير الخطي) يرتكز على دراسة الأنظمة الغنية بردود الأفعال، وبشكل خاص المنظومات الحيوية، إحدى النتائج الرئيسية لذلك هي مفهوم تحسين النظم بدلا من المكونات، ومفهوم التصميم للملاءمة. وكفكرة عامة يستمد المصطلح وجوده من عدد من النهج الأكثر تحديدا بما في ذلك: من المهد إلى المهد، ومحاكاة الطبيعة، والإيكولوجيا الصناعية، والاقتصاد الأزرق. وفي معظم الأحيان يوصف المصطلح بأنه إطار للتفكير، ويزعم أنصاره أنه يمثل نموذجا متماسكا له قيمة كجزء من الاستجابة إلى نهاية عصر النفط والمواد الرخيصة.
وبينما يقوم الاقتصاد الصناعي الخطي على عملية "خذ، اصنع، تخلص"، وأساليب الحياة التي تتغذى عليه تستنزف الاحتياطات المحدودة من الخامات لخلق منتجات ينتهي بها المطاف في مقالب القمامة أو في المحارق.
يقوم الاقتصاد الدائري على عدة مبادئ أساسية :
- النفايات مغذيات: لا وجود للنفايات، فالمكونات البيولوجية والتقنية تم تصميمها عن قصد كي تدخل ضمن دورة المواد.
- التنوع قوة: فالمنتجات والمواد والأنظمة المتنوعة مع مزيد من الصلات والمقاييس تكون أكثر مرونة في مواجهة الصدمات الخارجية من التي يتم بناؤها لمجرد الكفاءة.
- مصادر الطاقة: الطاقة يجب أن تأتي من مصادر متجددة.
- التفكير المنظومي: النظر للأشياء على أنها تؤثر في بعضها البعض في إطار كل متكامل، واعتبار العناصر مناسبة في إطار سياقات البنية التحتية، والبيئة، والمجتمع.
- الأسعار وآليات التغذية المرتدة الأخرى يجب أن تعكس التكلفة الحقيقية: في الاقتصاد الدائري تعمل الأسعار كوسائل وبالتالي يجب أن تعكس التكاليف الكاملة من أجل أن تكون فعالة بما فيها العوامل الخارجية السلبية.
الاقتصاد الدائري هو إطار جامع تطور عن مجموعة من الأفكار المؤسسة له والتي تشمل:
- محاكاة الطبيعة: وتعني وفقا العمل من خلال دراسة النظم والتصميمات الطبيعية وتقليدها من أجل حل مشاكل الإنسان، على سبيل المثال دراسة ورقة نبات من أجل ابتكار خلية شمسية أفضل. وذلك وفق ثلاثة مبادئ: الطبيعة كنموذج، الطبيعة كمقياس، والطبيعة كمرشد.
- الإيكولوجيا الصناعية: وتعني دراسة تدفقات المواد والطاقة من خلال المنظومات الصناعية، وذلك بهدف خلق منظومات دائرية مغلقة، يتم فيها النظر للنفايات كمدخلات ومن ثم إلغاء فكرة وجود منتج جانبي غير مرغوب فيه، وينظر لهذه الفكرة على أنها "علم الاستدامة Science of Sustainability.
- من المهد إلى المهد: وهو المبدأ الذي صكه مهندس معماري شهير، خبير اقتصادي وصاحب الفضل في صياغة تعبير "من المهد إلى المهد" لمناقضة "من المهد إلى اللحد" - والذي يعبر عن وسيلة عمل الاقتصاد السائد "من الموارد إلى النفايات" - وفي نهاية السبعينات، عمل ستاهل على تطوير مفهوم "الدائرة المغلقة" في العمليات الإنتاجية، وشارك في تأسيس معهد حياة المنتج في جنيف، بهدف تحقيق الاستدامة الصناعية من خلال تمديد حياة خدمة السلع، وإعادة استخدامها، وإصلاحها وإعادة تصنيعها، ورفع مستوى الفلسفات تكنولوجيا من حيث انطباقها على الاقتصاديات الصناعية.
- الاقتصاد الأزرق: وهي حركة مفتوحة المصدر تقوم على استخدام الموارد المتاحة في النظم المتتالية، وأن نفايات منتج ما تكون مدخلا في بناء منتج آخر، وتصميم حلول بناء على البيئة والخصائص الفيزيقية والإيكولوجية المحلية والتركيز على الجابية كمصدر أساسي للطاقة.
إن الانتقال إلى الاقتصاد الدائري، يعني خلق طريقة انتاج وآلية استخدام مختلفة لهذه الآلات. علينا عند تصور المنتجات التفكير في كيفية إصلاحها و إعادة تدويرها لتجب التبذير والإسراف والهدر في الموارد: كل ما يصنعه الإنسان، حتى و إن كان معدنيا أو قابلا للتحلل، يمكن إعادة إستعماله. علينا التركيز على الاستخدام الحصري لمصادر الطاقة المتجددة، إنها أفضل طريقة لحماية البيئة. تنفيذ هذا النوع من الاقتصاد من شأنه خفض انبعاثات الغاز المسببة للاحتباس الحراري و توفير 600 مليارات من النقود إضافة الى توفير الآلاف من الوظائف ممنا يسهم في تخفيض البطالة.
في أفق عام 2020، الجهات التي تقدم التمويل والدعم المالي لمعظم القطاعات في العالم ستقوم بإستثمار المليارات من أجل تحسين استخدام الموارد، وتشجيع البحث والابتكار، والتحول نحو الكربون غير المضر بالصحة ودعم الشركات الصغيرة و المتوسطة، هذا إضافة إلى تدابير أخرى، كمحاولة تغيير القوانين بشأن النفايات و وضع أهداف محددة لتشجيع الشركات على إعادة التدوير.
لقد تعهدت مجموعة كبيرة من الدول المشاركة في قمة المناخ، التي انعقدت مؤخرا، بمدينة مراكش المغربية من شهر تشرين الثاني 2016، بالتحول بشكل كلي لاستخدام مصادر الطاقة المتجددة في أسرع وقت ممكن، كخطوة نحو تقليص الانبعاثات الغازية والتلوث البيئي، بما يضمن المزيد من سنوات الحياة السليمة على سطح الأرض.
ومنذ بدء التحذيرات من مخاطر التغيرات المناخية وممارسات سكان الأرض التي تهدد الحياة على سطحها، انكب الخبراء والمختصون والناشطون في مجال البيئة، على البحث عن وسائل وأنظمة يمكن أن تضمن الفائدة للجميع، وتكون محفزا وبدائل تساعد الدول والحكومات والمؤسسات على المضي قدما في سياسة مكافحة تغير المناخ، التي باتت مسألة ذات أولوية عاجلة.
من بين الحلول المطروحة، والتي شهدت اهتماما كبيرا في السنوات الأخيرة سياسة الدائرية أو التدوير، التي تطورت وأصبحت اقتصادا قائما بذاته، يمكن أن يسفر عن ميزان تجاري نام يوازي 90 مليار جنيه إسترليني في أنحاء الاتحاد الأوروبي وتوظيف 160000 شخص إضافي في قطاع استرداد المواد، وفق برنامج تطوير الموارد والنفايات.
ان نظام الاقتصاد الدائري أو ما يعرف بالاقتصاد الدائري تفيد بأنها من الأنظمة الصديقة للبيئة، وهو منهجية إنتاج يتم فيها تغيير الغرض من المخلفات بإعادة تدويرها.
وتقدر أبحاث وإحصائيات صادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي ومؤسسة إلين مكارثر أن الاقتصاد الدائري يمكن أن يوفر على العالم تريليون دولار بحلول عام 2025، وسيولد 100 ألف وظيفة جديدة خلال خمس سنوات، فيما كشفت دراسات شملت نحو 7 دول أوروبية أنّ مضاعفات الاقتصاد الدائري قد تؤدّي إلى خفض انبعاث غازات الدفيئة بنسبة 70 بالمئة وإلى توفير 4 بالمئة من مجمل كتلة الوظائف.
تجربة الاقتصاد الدائري في العالم
عندما يحاول أحدنا التمسك بعنصر واحد في الطبيعة، يجده مرتبطا ببقية العالم من حوله”، تصوّر هذه العبارة التي استحدثها عالم التاريخ الطبيعي الأسكتلندي الراحل جون موير (1838-1914) مشهدا مترابطا ومتجددا حيث كل مادة يتم إنتاجها تكون بدورها مادة مغذّية لشيء آخر. إنه وصف مناسب لنموذج الاقتصاد الدائري الذي بدأ يلقى رواجا في عالم الأعمال.
فمثلا تشير باربرا كايسر، في دراستها حول الإسـراع من وتيـرة الاقتصـاد الدائـري، إلى أن هذا النمط الاقتصادي البيئي برز مع فكرة التصميم المتجدد ـ بريادة مهندس المناظر الطبيعية جون تي. لايل ـ على استخدام الموارد المحلية المتجددة.
بإمكان التدوير أن يسفر عن ميزان تجاري نامٍ يوازي 90 مليار جنيه استرليني في أنحاء الاتحاد الأوروبي وقد رتب والتر ستاهيل الأفكار التي سبقته، ووضع أفكارا جديدة أساسية. وفي الآونة الأخيرة، أسَّس الكيميائي الألماني مايكل براونجارت والمعماري الأميركي ويليام ماكدونا نظاما لاعتماد النظم والمنتجات، يحمل اسم “من المهد إلى المهد” -وهو تعبير ابتدعه ستاهيل- يتعامل مع التدفق الصناعي، باعتباره كائنات حية، ومع المخلفات باعتبارها عناصر غذائية.
وتبين الدراسة الصادرة في مجلة Nature أن مفهوم الاقتصاد الدائري الصديق للبيئة أخذ يتّسع، حيث تعمل مشروعات تجارية جديدة على اتباع هذا المفهوم.
وتقوم شركة إنتيرا في فانكوفر بكندا بإعادة تدوير الطعام العضوي غير المباع لإطعام يرقات الذباب، التي تَستخدمها في تغذية الماشية.
وخفّضت شركة رولز رويس البريطانية -وهي شركة عمومية محدودة، تهتم بمحطات توليد الطاقة لمحركات الملاحة الجوية والفضائية- استخدام المواد الخام والتكاليف والانبعاثات، من خلال برنامجها لإعادة التدوير، المسمَّى ريفيرت الذي يعزز كلا من مفهوم الطاقة المستهلكة في الساعة ومفهوم إعادة التصنيع.
وبنت العلامة التجارية ألفيس آند كريس نموذج أعمالها على استرداد منتجات النفايات الصناعية مثل خراطيم المياه ولافتات المزاد العلني والمظلات العسكرية المصنوعة من الحرير التي لم تعد تُستخدم وإعادة تدويرها للأفضل في شكل ملحقات فاخرة مثل الأحزمة والحقائب والمحافظ.
وتقوم كل من شركة فورد وهاينز بالتحقيق في إمكانية استخدام قشرة الطماطم التي ترمى جانبًا كأساس لمواد تركيب جديدة لقطع غيار السيارات. يختبر الباحثون في فورد متانة ألياف الطماطم لمعرفة ما إذا كان بالإمكان استخدامها كبلاستيك حيوي يمكن وضعه في أسلاك مساند المركبة وحاويات التخزين.
وتشير دراسة نشرها موقع شركة فيليبس إلى أن التوجه نحو الاقتصاد الدائري يحمل أيضا فوائد للمستهلكين، وسيغيّر إنشاء نماذج من أعمال ذات قيمة مضافة كيفية تفاعلنا مع السلع والخدمات التي نشتريها.
فتلك الشركات التي تنظر معمّقا في استخدام الموارد والتي لا تخاف من الابتكار خطت فعلاً أول خطوة في هذه المسيرة.
يعدّ جهاز آيفون مثالا بارزا على ذلك؛ فقد أظهرت دراسة حديثة أن هاتف آيفون المعاد استخدامه يحتفظ بحوالي 48 بالمئة من قيمته الأصلية، وقد لا تعطي السلع الأخرى مثل هذه النتائج الإيجابية تماما، إلا أن قيمة إعادة الاستخدام لا تزال أعلى بكثير.
وعلى الرغم من أن دراسة الجدوى للمشروعات الدائرية تبدو لافتة، حيث يقدّر المستشارون في شركة ماكنزي وشركاه أن بوسع تلك المشروعات أن تضيف 2.6 تريليون دولار إلى الاقتصاد الأوروبي بحلول عام 2030، فإن استحواذ الجدوى الاقتصادية على الاهتمام يُعَدّ نقطة ضعف؛ إذ قد يتعارض اقتصاد النمو مع الاستدامة، وفق دراسة كايسر. في عام 2014، على سبيل المثال، انسحبت شركة شيفرون، وعدد من كبرى شركات البترول من استثمارات في قطاع الطاقة المتجددة، بسبب ضعف المردود.
التأكيد الذي خرج به القادة والمسؤولون من قمة مراكش للمناخ على ضرورة تفعيل اتفاقية باريس للتقليص من الانبعاثات الكربونية والدخول جديا في مرحلة استخدام البدائل الإنتاجية والطاقة النظيفة، يعطي أملا في إمكانية تجاوز مشكلات البيئة والمناخ.
وهذه البدائل، والتي من بينها الاقتصادي الدائري، لا تعني، وكما أشار والتر ستاهيل، القطع مع الاقتصاد الصناعي بل يمكن أن يكمل أحدهما الآخر، فالاقتصاد الدائري لا يمكن أن يقوم بذاته، فهنالك دوما الحاجة للاقتصاد الصناعي الذي يقوم على إنتاج سلع وأجهزة من موادّ جديدة.
وبالتالي، فإن الإبداع ضروري واستخراج الموارد ضروري هو الآخر لأنّ هنالك تقنيّات جديدة ومواد جديدة تظهر باستمرار، لذلك فالتعامل بتوازن بين النظامين الاقتصاديين من شأنه أن يساعد على تجاوز المخاطر البيئية التي يتسبب فيها الإفراط في الإنتاج الصناعي.
لم يكتف العلماء بانتقاد الرأسمالية الصناعية وتحميلها وزر التدهور البيئي والمناخي الذي يزداد يوما بعد يوم مهددا مستقبل البشرية، بل عملوا على تطوير بدائل والبحث عن حلول توازن بين الضرورة الصناعية والحاجة للحفاظ على ما تبقى من بيئة سليمة، وذلك من خلال تطوير نظام اقتصاد التدوير، ويعرف أيضا بالاقتصاد الدائري، الذي أطلق عليه والتر ستاهيل، المعماري والبيئي السويسري، وأحد مطوري هذا النظام، وصف "من المهد إلى المهد"، أي الاستفادة قدر الإمكان من المنتوج الصناعي عبر تدويره وإعادة إخراجه في أشكال واستعمالات جديدة، بحيث يكون الاقتصاد والبيئة رابحين.
التأثيرات الضارة للنظم الاقتصادية الصناعية العالمية باتت من الأمور المعلومة للكافة، الأمر الذي حفز الكثيرين من العلماء والمفكرين من القلب النابض لهذه النظم في الغرب على السعي لإيجاد رؤى بديلة أكثر توافقا مع الطبيعة، وأقل إضرارا بالبيئة، واستنزافا لمواردها، ومن ثم أكثر استدامة، من بين تلك الأفكار الكبرى في العالم الآن، نتاجا لهذا السعي فكرة الاقتصاد الدائري Circular Economy.
الموضوع واسع المدى، وربما يبدو صعبا للقارئ الإلمام بكل ما يتعلق بالاقتصاد الدائري، وربما هذا المقال ألم ببعض أطرافه بشكل عاجل بما يسمح به إطار المقال، وبما يحفز القارئ على المزيد من المعرفة هو الموضوع بأن يستزيد من مصادر أخرى أكثر تخصصا، وأعتقد أن الأمر يحتاج إلى نقل أكثر تمكنا، وأكثر تبسيطا، لتغذية أفكار الجيل الناشئ بأفكار أكثر إنسانية واستدامة في مجال الاقتصاد، وهو أمر ربما يفلح في فعله المتخصصون الواعون.//