عراك النواب.. لسنا إستثناء  


عامر الحباشتة

في كل برلمانات العالم ومنها برلماننا تحدث الاشتباكات والعراك  بين النواب كأفراد وكتل نتيجة الخلافات والتفاوت في الآراء،  وتصل الحالات التي تشهدها تلك البرلمانات لحدود  الاشتباك اللفظي والاعتداء الجسدي، وهذا ما شهدناه في اعرق البرلمانات العالمية، وقد تكون هذه الظاهرة العالمية جزءا من سباقات المشهد البرلماني في دول العالم الأول والثاني والثالث والغير محسوب.

ولأننا في الأردن لسنا إستثناء، فإننا نشهد بين الحين والآخر تلك الظاهرة، حيث تتجلى بالمشاكسات والاشتباكات بين النواب والتي وصلت لحدود التراشق اللفظي وبما توفر من أدوات كمثل منافض السجائر وعلب المياه وصولا لإستخدام الأيادي والعضلات، وعادة ما تنتهي تلك الحالات بالاعتذار والجاهات وتبادل عبارات المديح والثناء والاستغفار.

وهنا، لا بد من القول أن الظاهرة بحد ذاتها ظاهرة عالمية في مجالس النواب بمسمياتها المتعددة، وهي تعبير عن حالة من العجز واليأس من إيصال الفكرة أو الرأي، وفي حالات تصبح مهنة هدفها التعبير عن موقف سياسي او إجتماعي معين،

أما في الظاهرة الأردنية، فإن المشكلة تكمن في عدم القدرة على تفسير قواعد الاشتباك او استقراء أسبابه، لأنها في مجملها وفي أكثر الحالات التي شهدها مجلس النواب طوال الدورات السابقة وحاليا  كانت ناتجة عن تصرف فردي لهذا النائب او ذاك، ولأسباب متغيرة تتبدل فيها الأدوار والتحالفات، وهذه الظاهرة الفردية  التي تقود وتسبب العراك تنم عن احتقان وفقدان للثقة بالمؤسسة البرلمانية بأحسن توصيف ولكنها تصل لأسباب شخصية بحتة لا علاقة لها بالعمل النيابي ولا أصوله، بل وتنم عن نزعات فردية بعيدة كل البعد عن التأثير الإيجابي او التغيير في مسار القرارات.

وهنا تكمن الإشكالية في فهم هذه الظاهرة محليا، حيث لا عناوين  ولا أسباب واضحة والأخطر أنها فردية لا ينتج عنها فعل أو رد فعل جماعي،  ونادرا ما تحدث من النواب الذين يمثلون كتلا او جماعات وازنة، فلم نشهد مثلا هذه الظاهرة من قبل ممثلي كتلة الإصلاح رغم أن خطابهم النيابي هو الأكثر اختلافا مع السلطة التنفيذية والأغلبية النيابية، والفردية في هكذا نوع من الإشكالات التي نتحدث عنها لها عدة أسباب، وتعبر كما ذكرنا عن يأس فردي وإحباط من القدرة على التأثير في القرار النيابي. ويصل البعض لحد شتم ونقد المجلس وأعضائه وليس مساره، 

هنا لا بد من التذكير، بأن العمل النيابي عمل جماعي وجهد ومتابعة سواء تعلق الأمر بالرقابة أو التشريع وهذا لا يتم إلا من خلال التنسيق للمواقف وحشد المؤيدين لها ضمن برامح متفق عليها مرحليا او استراتيجيا بين المجموعات النيابية، وبغير ذلك لا يمكن تمرير الأفكار والمشاريع والمواقف، وهذا يتطلب التزاما بالحد الاقصي ضمن الكتلة الواحدة وبالحد المقبول بين الكتل المتفاوته التوجهات، وهو ما يتطلب بالأصل وجود الكتل وتشكيلها ضمن الأعراف والأنظمة النيابية، وغير ذلك لن يتجاوز الأمر حالات تسجيل المواقف او الحرد او الانكفاء وكل ذلك لإبراء الذمة، ولا إبراء للذمة وخلاص فردي ما لم يكن هناك إستعداد وصبر وجهد للاشتباك الإيجابي بين الأفراد والكتل ومعها من جهة ومع السلطة التنفيذية من جهة أخرى، وعلى قاعدة ما لا يؤخد كله لا يترك جله.

في الختام، ولكي يكون للاشتباك والعراك النيابي معنى وفعل (دون أن تتمناه )، فإن الاشتباك الإيجابي مع التفاصيل اليومية هو الحل، وغير ذلك لايجدي نفعا، وبديله هو الابتعاد عن ملعب وميدان قبلنا اللعب به إن كنا نؤمن بعدميته، فأن نقول كلمتنا ونسجل موقفنا أجدى من المساهمة في خلق الوهم والأمل الزائف الذي لا يقود إلا لليأس غير المبرر،فخيارنا الوطن بكل مكوناته  بأخياره وهم الأغلبية ومن تاهت بهم المصالح والسبل وهم اقليته.

أتحدث عن ظاهرة وليس أشخاصا.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.//